TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > المعاصرة الساذجة.. المنحوتات العراقية الجديدة مثالاً

المعاصرة الساذجة.. المنحوتات العراقية الجديدة مثالاً

نشر في: 16 مايو, 2014: 09:01 م

هل نحن نتاج بداوة مستعصية, أم نحن بعض من شعوب الأرض التي مستها مفاصل الحداثة الثقافية والاجتماعية لزمننا الحالي وما قبله, أن لم تكن تعدتها. وان أنتجت الحداثة الفنية العراقية أعمال نحتية, ومنها بعض النصب المهمة التي أخذت حيزها الفضائي ضمن فضاءات البيئ

هل نحن نتاج بداوة مستعصية, أم نحن بعض من شعوب الأرض التي مستها مفاصل الحداثة الثقافية والاجتماعية لزمننا الحالي وما قبله, أن لم تكن تعدتها. وان أنتجت الحداثة الفنية العراقية أعمال نحتية, ومنها بعض النصب المهمة التي أخذت حيزها الفضائي ضمن فضاءات البيئة المعمارية البغدادية. شواهد لحداثة كان من الممكن ان تكون اللبنة التأسيسية الأولى, وليست الأخيرة, أو المنتهية, أو المقموعة. وإذا كان نصب جواد سليم(بداية ستينات القرن الماضي) لا يزال الصرح النحتي الحداثي الأبرز, ثم تبعه نصب الشهيد(لإسماعيل فتاح الترك) بعقدين من الزمن. رغم اختلاف منطقة اشتغالاتهم الثقافية ومرجعيتهم الأثرية والتنفيذية. وباختلاف النتائج المتحققة. سواء منحوتات مشخصة, أو (نحت أو نصب معماري مؤثث بدلالات رمزية). إلا أن منطقة اجتهاداتهم, بالرغم من توظيفها الشكل أو الصورة الأثرية التشخيصية والمعمارية. لم تتعدى ارثنا النحتي إلا لتستزيد من مكتشفات الفن الحداثي سواء في صياغة الشكل أو التقنية أو التصور عن طريق الإزاحة وإعادة البناء أو التشكل. ليس من اجل تجاوز الأثر, بقدر من صياغته حداثيا ليوائم روح العصر وطبيعة المدينة الحديثة. ونظرة متفحصة لهذين النصبين, تكشف لنا بان الفنان في كليهما لم بهمل تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية المتحركة, حتى صياغة الصورة الميثولوجية التي كانت فاعلة في تلك الفترة الزمنية القريبة. ولم يكن الانحياز إلى عامل واحد هو الفاعل, رغم حدة الخطاب الإيديولوجي الذي كان سائدا. 
حينما صمم المعماري رفعت الجادرجي لافتة نصب جواد سليم في ساحة التحرير. لم تكن الساحة كما هي بعد إنشاء نفق التحرير. واعتقد ان ثم نية خبيثة كانت مختبئة خلف إنشائه تتعلق باختراق القرار السياسي للفضاء البيئي. لقد كانت الساحة التي تحتضن النصب, سواء الخلفية أو الأمامية. بفضاءاتها المشغولة بجمالية, لتحتوي الزوار نزهة وترفيها. مثلما احتضنت فعالياتهم الجماهيرية في زمن من أزمنتها. وكان من جراء استحداث النفق(عدا تبرير أهميته المرورية), تقليص هذا الفضاء وحجز مجال الرؤيا لمديات لا تتفق ومساحة وارتفاع النصب. مثلما حدث للتجاوز الصارخ على تمثال الأم للرحال, والذي رحل إلى أكثر من منطقة من مناطق بغداد. عدى التجاوز على النصب نفسه بإنشاء نافورة أسفله دون النظر لأضرارها على أسس النصب. ولمجرد نزوة ذكر اسم القائد الذي قاد البلاد لمهاوي الهلاك. لقد كان قرار التجاوز على الأثر الفني جاهزا في أروقة صناع القرار السياسي العراقي, وبسبب من بداوة اجتماعية متـأصلة في بناء هذه الشخصيات. وكما نلاحظه ألان من هجانة الأثر النحتي الجديد الذي اخذ مكانه في بعض من فضاءات مدننا, والتي من الغير المعقول إدراجها كأعمال فنية, فكيف بكونها إضافة تراكمية لأثر سابق.
ليست لتدخلات القرار السياسي المؤدلج من أهمية تذكر في صنع الأثر الفني. وللقرارات السياسية في أوطاننا نزواتها التي لا تتعدى أوهام صانعيها الفردانية. وان كنا ابتلينا ببعض القرارات الإيديولوجية السابقة. إلا أن ثمة إيديولوجيا أخرى احتلت مكانها, لا تنظر للحضارة الحديثة إلا من ثقب الماضي, وليس بالضرورة ماض حضاري, بل كنص قابل للتأويل, أو غير قابل مطلقا. وما بين تأويل وآخر, تم تعطيل مسيرة الفن النحتي العراقي الحداثي. وليترك المجال لبداوة فنية جديدة تغزو فضاءات مدننا. صيغت على مقاسات ليست لها علاقة 
بجدة عصرنا. فهل كان شاعرنا الجواهري ابن خيمة صحراوية, وهو الذي كان ابن مدينة النجف الحضرية. هذا ما تخبرنا به دلال القهوة البدوية وفناجينها الموزعة على جنبي عملاق الشعر العربي, ومفخرة الثقافة المدنية العراقية. فهل يصح أن ننصب له خيمة افتراضية وسط مدينة بغداد. وهل تصحرت بغدادنا, رغم مصائب وعث الحروب ومخلفات الحصار والمحاصرة المستمرة. مضيفة لزمن يخال لصانعها ان الجواهري ضيع طريقه وسط رمال الربع الخالي. فهل باتت(الدلة) تمثل جسد التشكيل العراقي المعاصر والفناجين حراسه اليقظين, ونحن غافلون.
صحيح أن معظم أنصابنا التي تتوسط بغداد, تحمل دلالات اجتماعية مغلفة بسير من قصص أثرية فنتازية (أعمال محمد غني) أو مقاربات لملاحم اجتماعية سياسية(نصب الحرية ونصب الجندي المجهول و نصب الشهيد) أو شخصيات تاريخية ومبدعين. ما عدى الأنصاب الثلاث, فاني اعتقد بأن مخطط المدينة لم يلتفت إلى أهمية اختيار المكان والفضاء المناسب للتماثيل والأنصاب ضمن فضاءات المدينة المعمارية المناسبة, بقدر من اعتماد النظرة التقليدية لتزيين ساحاتها أو بعض من فضاءاتها بمنحوتات مقترحة سلفا ضمن المنظور الاجتماعي أو السياسي المؤسساتي المتزامن وزمن إنشاء النصب(تكرار لقرار اختيار أمكنة الأنصاب الأولى ـ ملك فيصل الأول, الجنرال مود وعبد المحسن السعدون). بدون الالتفات الى المقاربات المعمارية المحيطة والتي من الممكن أن تحدث تكاملا ما بينهما عبر خطوط الاتصال المفترضة أو الموحية. لتكون جزء من نسيج عمارة المدينة أو مكملا لها. لكن بعد ان شكلت هذه النصب علاماتها الفارقة رغم كل إشكاليات أمكنتها. فهل من الممكن ان ننتبه لهذا الخلل ونخطط لما هو أفضل لمدننا, لا أن نسيء إليها كما هو حاصل مؤخرا. ليس العبرة في إننا نضيف منحوتة هنا ومنحوتة هناك. دون الالتفات الى أهمية دراسة المكان(الزاوية, أو الركن المناسب من الفضاء, وليس وسط الساحات المرورية). إضافة لتقنية المنحوتة, وموادها, وعلاقتها بالبيئة المعمارية والاجتماعية الثقافية, لكونها سوف تشكل ملمحا مهما من ملامح المدينة.
للأسف الشديد أن تتعرض فضاءات مدننا للإهانة المتكررة حاليا, بحجة تزيينها بأعمال نحتية, هي بالأحرى ديكورات رخيصة لا تمت بأية صلة لتاريخ النحت العراقي( وهو غزير), ولا إلى إنجازات نحاتينا المعروفين الذين رصعوا مدننا بأعمال معروفة, ميزتها عن معظم المدن العربية. هل بات الوسط الفني التشكيلي العراقي عاجز لحد الشلل الكامل. وأنا اشك في ذلك. فتلاميذ جواد والرحال والترك والقره غولي والوكيل وغيرهم لا يزالون على قيد الحياة. وتجاربهم النحتية مستمرة. أين(مثلا) سليم عبد الله , مكي حسين, هيثم حسن, حمد السلطان, طالب مكي, علي رسن, مها مصطفى, منذر علي, احمد الصافي, علي جبار, آذار جابر, و غيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم, وبعضهم معروفون بتنوع تجاربهم النحتية وثرائها. فهل تحولت مشاريع النحت الجديدة الى مجرد مقاولات لا تخضع لشروط الجودة الفنية, ومن قبل أناس, على ما يبدو, لا يفقهون شيئا سوى مداولات إيديولوجية شعبية متشنجة, لا تؤدي الا إلى نتائج ساذجة, بعيدة كل البعد عن السلوك الحضاري. وما نصب الحرية الجديد في البصرة سوى عينة بائسة من الحصاد المر هذا. كذلك كم الجرار والفناجين والدلال والأسود البلاستيكية و(قواري) الشاي. فهل تحولت فضاءات مدننا الى مطابخ ومضايف, أم ماذا. لم تعد مشاريع النحت الجديدة تملك جسدا متماسكا, بل مجرد تجميع خردوات لا تمت لحاضرنا ولا لمستقبلنا. 
الملمح الإنشائي الأخر والمتمثل ببوابات المدن(بما أن الأنصاب مشاريع فنية إنشائية أيضا). كانت سابقا مجرد أقواس إنشائية عامرة بصور الرئيس وأقواله المدونة. الآن تحولت الى حوامل لقباب جوامع مصغرة. وكأن الداخل لا يلج الا اليها, وليس لمدينة حضرية تعج بإنشاءات شتى. فان كانت البوابات السابقة تصفعنا بصور وكلمات الرئيس. فان الحالية لا تختلف عنها في خطابها الأيديولوجي الديني بقبابه المختلفة الأنواع والألوان. والتي لا تمت بصلة ما حتى لأبواب بغداد العباسية(الإسلامية) لا في تصميمها المعماري أو مقارباته, ولا الى اختلاف الوظيفة التي تحددها اختلافات الظروف التاريخية. وكأننا نعيش في زمن غير زمننا. زمن انقطاعي, لا دخل له في مستجدات العصر المعمارية. فقط, هوى سلطة ثقافية سياسية ساذجة. و إيديولوجية متحكمة ونافذة حتى في اختراق فضائنا المدني العام. ولم يعد لمخطط المدينة من وجود ضمن هذه الفوضى الغير خلاقة. والتي أريد منها ان تكون خلافة رغم أنوفنا.!!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عادل الطائي

    ينعكس الوضع الشاذالذي نعيشه بكل تفاصيله على كل مفردات الحياة ومنها الفن فقد انحسرت الجهات المعنية الكفوءة وحل بدلها من هب ودب ومن اجل غايات نفعية وليس فنية .... أين هي أنصاب صدام والجداريات التي تطرح مستوى تفكير البعث ؟ لقد زيلت بزوال أصحابها وما علينا سو

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram