TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإبراهيمي ينعى جنيف 3

الإبراهيمي ينعى جنيف 3

نشر في: 16 مايو, 2014: 09:01 م

تؤشر الاستقالة "المتأخرة والمنتظرة" للموفد الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، إلى عقم البحث عن أي تسوية سلمية للنزاع المستمر منذ ثلاث سنوات، عبر الجهود الدبلوماسية التي قادها الابراهيمي، وحاول في مرحلة منها الترويج لخطة إيرانية وصفها بالهامة، وتتكون من أربع نقاط هي وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعديا الدستور للحد من صلاحيات رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وربما كانت الاستقالة تعبيراً عن يأس الرجل، بعد الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية، المؤكد فوز الرئيس بشار الأسد فيها بولاية ثالثة تستمر سبع سنوات، مع حقه بحسب التعديلات الدستورية بولاية بعدها ترفع سنوات حكمه إلى 28 سنة، وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون.
الانتخابات الرئاسية التي يجري الإعداد لها في دمشق باعتبارها استحقاقا دستورياً، وتكرس أجهزة الإعلام الحكومية قبلها حملات التأييد للأسد، تصفها واشنطن بالمهزلة، لكنها لا تقدم دعماً حقيقياً للمعارضة لوقفها أو عرقلتها، ورفضها الغرب مؤخراً في اجتماع لندن لأصدقاء سوريا، وطبيعي أن ترفضها معارضة الخارج وبعض معارضة الداخل، لكن الواضح حتى اللحظة أنها ستجري في موعدها، وهي بالطبع معروفة النتائج، رغم أن المسؤولين الأميركيين جددوا لرئيس الائتلاف احمد الجربا، التأكيد أن لا مكان للأسد في مستقبل سوريا، التي اكتشف الإبراهيمي بعد سنتين من تعيينه، أن المخارج الممكنة للأزمة أغلقت الواحدة تلو الأخرى، خصوصاً قضية ترشح الأسد للانتخابات، وصرف النظر عملياً عن تشكيل هيئة حكم انتقالية تضم ممثلين عن الطرفين.
تشعر دمشق بالارتياح لتخلصها من صبر ومثابرة الابراهيمي، وإصراره على طرق كل الأبواب بحثا عن حل سلمي، لم تؤمن الحكومة السورية به يوماً، وظل الحسم العسكري نصب عينيها، رغم أن الأزمة حصدت أكثر من 150 الف قتيل، وإذا كان الإعلام السوري وصف الابراهيمي بأنه رجل السعودية، وأن انحيازه للمعارضة كان مكشوفاً خصوصاً خلال مؤتمر جنيف الثاني، في حين تم وصفه رسمياً على لسان مندوب سوريا في الأمم المتحدة، بأنه ارتكب الكثير من الأخطاء ومنها تدخله في الشأن الداخلي السوري، فإن بعض أطياف المعارضة تشعر أيضا بالارتياح لرحيله، لأنه لم يتخذ مواقف حدية وجدية ضد نظام الأسد.
أمين عام الأمم المتحدة يشعر بالأسف، لكون الطرفين المعنيين بالأزمة، وخصوصاً الحكومة، اظهرا تردداً كبيراً في الإفادة من فرصة التفاوض التي أشرف عليها الابراهيمي، لكن الرجل نفسه أعرب عن حزنه الكبير لمغادرة منصبه، فيما تمر سوريا بوضع بالغ السوء، وصعب جداً، غير أنه بما عرف عنه من تفاؤل، يبدو هذه المرة في غير محله، قال إن ذلك الوضع غير ميؤوس منه، ولا يوجد سبب للاستسلام، وهو إن كان يردد سابقا بأنه يتمتع بالصبر الكافي للوصول لمرحلة الولوج إلى الحل، فان الواضح أن صبره لم يوصله لنتيجة غير الرحيل.
والحال هذه، تبدو مثيرة للدهشة والعديد من التساؤلات، دعوة موسكو لتحديد موعد جنيف الثالثة، على اعتبار أن المتطرفين يملؤون الفراغ الناجم عن عدم عقدها، بالتزامن المقصود مع انتقاد اجتماع مجموعة أصدقاء سوريا في لندن، على أساس أن الوثيقة السياسية الأساس الخاصة بتسوية الأزمة السورية تتمثل في بيان جنيف، لكن الواضح أن دمشق وهي تستشعر حجم "انتصاراتها" لم تعد تشعر بالحاجة لتكرار تجربة جنيف، وهي أجهضتها قبل أن يتحول ميزان القوى لصالحها، فكيف وقواتها تواصل قضم مواقع معارضيها، المنشغلين بحرب الأخوة الأعداء، ما أدى الى تصدع الموقف الدولي الداعم لإقصاء الأسد، وباعتبار أنه يقود جيشا كرس قوته لمحاربة الإرهاب، ما يعني عملياً انتفاء الحاجة لتكرار مسرحية جنيف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram