TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مع احترامي لصناديق الانتخابات

مع احترامي لصناديق الانتخابات

نشر في: 17 مايو, 2014: 09:01 م

هل يفكر ساستنا بكتابة تجربتهم في الحكم؟، ماذا لو قرر نوري المالكي ان يكتب عن سنواته الثمانية التي قضاها وهو يتربع على رأس أعلى سلطة تنفيذية، ما حجم مسافة التقدم التي قطعتها البلاد في سنوات حكمه؟ ما هي نسب النمو والتطوّر والتقدم ومستويات الدخل؟. ما هي المشاريع التي اعتمدها لتنمية قدرات هذا البلد النفطي؟ والأهم ما مقدار الاستقرار الذي تحقق؟.
في مثل هذه الأيام قبل ستة وأربعين عاما نفى ديغول نفسه إلى قرية في الجنوب كي يكون بعيدا عن مجرى الأحداث، بعد ان خرج الطلبة يتظاهرون ضده وهم يحملون لافتات كتب عليها: "ديغول ارحل .. عشر سنوات تكفي لكي تتقاعد" الرجل الذي انقذ فرنسا من سطوة هتلر، ووضعها في مصاف الدول العظمى ، لم يجد غير جملة واحدة قالها لمساعديه "سأرحل، لا شيء اهم من فرنسا مستقرة".
اتمنى ان يقرأ جميع سياسيينا مذكرات ديغول ليعرفوا ما هي فلسفة الحكم الرشيد، فقد كان لدى الرجل الفهم الحقيقي لمعنى السياسة والشعور الوطني، والهم نفسه لإنجاز عمل تاريخي وطريقة الولوج إلى تاريخ البلاد، فلم يذهب إلى اعتبار فترة حكمه هي الأنجح والأفضل مثلما ذهب السيد ابراهيم الجعفري الذي تولى شؤون الحكومة واجتاحت البلاد في عهده اخطر موجة عنف طائفي وقيض له بسبب ذلك أن يكتب مذكرات اطلق فيها على نفسه لقب "النجاشي" تشبها بملك الحبشة وهو "ملك لا يظلم عنده احد"، طبعا السيد الجعفري لم تخرج تظاهرة ضده ولم يتجرأ احد أن يسأله عن أسباب القتل على الهوية التي انتشرت في عهده.
أتذكر أنني أعدت قراءة الكتاب الشهير للفيلسوف هربرت ماركوز "الإنسان ذو البعد الواحد" وهو الكتاب الذي اشعل ثورة الطلبة في فرنسا في محاولة فهم تلك السنوات التي كان فيها هذا الكتاب بمثابة الانجيل بالنسبة للشباب الاوربي في ستينيات القرن الماضي، التمرد والمطالبة بالتغير كان شعار الطلبة الفرنسيين الذين قادوا انتفاضة عام 1968، انتفاضة حالمة رفعت شعار، رفض الاستمرار لنفس الوجوه، رفض الجمود ، رفض المهادنة ، ماركوز وضع اصبعه على الجرح الذي تعاني منه اوربا الطامحة الى النمو، هذا النمو الذي تبجح به الأيديولوجيون منظرو هيمنة رأس المال، هذا النمو انتج حسب رايه "إنساناً ذا بعد واحد" حيث استبدلت دكتاتورية الفاشيين والنازيين بدكتاتورية ناعمة تسعى الى استغلال الإنسان وتحوله الى ترس في ماكنة جديدة او كما يقول ماركوز: "تم تحويل الحياة الى بقاء عامر بالأزمنة الميتة". جسد كتاب "الانسان ذو البعد الواحد" فهم ماركوز العميق لاخلاق الرفض من خلال تشهيره بما سماها "التكنوقراطية الجديدة" والتي تعمل على تضخيم الشعور بالاستلاب عبر تعمد خلق حاجات وهمية مصطنعة، ولمجابهة هذه الدكتاتورية دعا الى الالتزام الدائم بما اسماه "الوضعيات الثورية" التي يقصد بها الاستعداد المستمر للانقلاب على الوضعيات الاجتماعية.. كتاب غذى افكار جميع الغاضبين في اوربا فرفعوا شعارات منددة بسيطرة المؤسسة السياسية والاجتماعية التي تقف حائلا امام التغيير ، شعارات قال عنها سارتر: "يتدفق منها شيء مدهش، مزعزع يدين كل ما ادى الى وصول مجتمعنا الى ما وصل اليه من رداءة".
منذ سنوات ونحن نعيش في متاهمة من الدماء والخراب والضياع الطويل، لأن اشخاصا يعتقدون، انهم أهم من الوطن، وأبقى من الشعب، وان وجدودهم ضمانة للاستقرار .
يكتب ماركوز في رسالة الى الطلبة : لاتجعلوا من صناديق الانتخابات عائقا امام التغيير.. عليكم ان تدركوا ببساطة ان ‎التغيير الحقيقي ليس مجرد صناديق، بقدر ما هو تفكيك لبنية الحكم".
‎ في ذلك الوقت كان ديغول محاطا بالكاتبين أندريه مالرو وفرنسوا مورياك. ولكن في الخارج كان ماركوز يعلم الطلبة ان "حين يطمس التغيير تحت شعارات الدولة تصبح الديمقراطية مجرد واجهة لسرقة احلام الشعب"
بالامس وانا اكتب هذا المقال كنت اتطلع الى بوستر دعائي لأحد الاحزاب البريطانية وضعت فيه هذه العبارة: "لايمكننا ان نجرب السياسيات القديمة ذاتها مع السياسيين القدماء ذاتهم، ثم نتوقع نتيجة مختلفة".
ومع اعتذاري الشديد لصناديق الانتخابات ولاصحايها الاجلاء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. حنا السكران

    مع احتقاري لصناديق الانتخابات لشعب مسلوب الارادة اناني يشترى بماله ولا يعلم

  2. فراس فاضل

    مقال اكثر من رائع ---لكن الحكومه ليس لديها المجال الكافى للقراءه وتصحيح مسيرها لانها وببساطه شديده --مشغوله بالفساد--تحياتى لك

  3. ابو اثير

    سيدي الكريم ... هل تعتقد أن الشعب العراقي سيقلب الطاولة على الطارئين على السلطة لا أعتقد هذا بل وأجزم على عدم تحركه قيد أنملة فالشعب العراقي غارق في سبات عميق ولا يدري ما يحصل له وما يدور حوله وألا كيف يمكن لشعب أن يصبر على هذا الظلم وألأستبداد وسرقة مال

  4. ابو احمد

    استاذي الفاضل ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. جزاكم الله بكل الخير انت ومن معك لانكم لازلتم تحملون الشعلة وتسيرون امام الكثير من العميان .

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram