TOP

جريدة المدى > عام > روائي عراقي يكتب لمسح الضباب عن الحرب

روائي عراقي يكتب لمسح الضباب عن الحرب

نشر في: 18 مايو, 2014: 09:01 م

قبل فوز روايته بأرفع جائزة أدبية عربية بأيام قليلة، كان أحمد السعداوي يجلس مسترخيا مع أصدقائه في احد مقاهي بغداد المحببة الى نفسه و التي ذكرها في روايته . بعد ساعة من مغادرته وقع تفجير أصاب بعض أصدقائه بجروح و قتل البعض الآخر. كانت تلك تجربة مألوفة ل

قبل فوز روايته بأرفع جائزة أدبية عربية بأيام قليلة، كان أحمد السعداوي يجلس مسترخيا مع أصدقائه في احد مقاهي بغداد المحببة الى نفسه و التي ذكرها في روايته . بعد ساعة من مغادرته وقع تفجير أصاب بعض أصدقائه بجروح و قتل البعض الآخر. كانت تلك تجربة مألوفة لديه و لدى كل من عاش في بغداد خلال العقد الماضي حيث تحدّد الثواني من الذي يحيا و من الذي يموت . يقول السعداوي " أهم شيء حدث لي هو أنني لازلت حياً "، مع ذلك فقد مات أصدقاؤه او غادروا البلاد و بقي هو. يقول " بالنسبة لي ، إنه صراع داخلي بين حاجتي لكتابة الروايات و ارتباطي بالناس، و بين خوفي من الموت و الرغبة في البقاء حياً ".

 
السيد السعداوي، و ما يحمله من خليط الكبت و الحزن و الكرم الذي صار يميز الشخصية العراقية، يقف في طليعة مجموعة من الأدباء الذين بدأوا من خلال كتاباتهم بترجمة الصدمة الناجمة عن الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003 . روايته السريالية " فرانكشتاين في بغداد" التي فاز عنها مؤخرا بالجائزة الدولية للرواية العربية، تحكي قصة منظّف شوارع سكير يجمع اعضاء الجثث من مواقع التفجير و يخيطها معا ليكوّن منها كائنا كاملا. هذا الكائن تسكنه روح ضالة و يسعى للانتقام للضحايا . بالتالي يقوم هذا الكائن الذي يشار اليه بكلمة " شسمه " بقتل حتى الأبرياء ما يعكس جنون الحرب و غموضها الأخلاقي و ما يعقبها . يقول السعداوي " أحاول جمع كافة عناصر التجربة العراقية. هناك الكثير من الرسائل في هذه الرواية احداها ان لا أحد بريء في هذه الحرب و في العنف الذي يرافقها". 
في مدينة ذات إرث حضاري عريق يمتد لعدة قرون حيث الشوارع تحمل أسماء كبار الشعراء الذين رحلوا منذ قرون، يعتبر السعداوي – أول روائي عراقي يفوز بجائزة متعارف على تسميتها البوكر العربية – النجم الأدبي الجديد في بغداد و ملهما للطبقة المبدعة المحاصرة في المدينة . يقول الروائي العراقي ابراهيم عبدالجبار " أعطانا السعداوي الايمان بأن العراق لايزال حياً، وان باستطاعتنا التغيير اذا ما كانت لدينا الإرادة لذلك ". 
لقد أكسبته الجائزة مبلغا قيمته 50 ألف دولار مع ضمان بترجمة روايته الى الإنكليزية . ولد السعداوي عام 1973 و ترعرع في أحد الأحياء الفقيرة من مدينة الصدر ببغداد، لأب يعمل مدربا لقيادة السيارات. اتجه الى الكتابة بعد تخرجه من معهد المعلمين. متزوج الآن و له أربعة أبناء. يقول انه سيستخدم مبلغ الجائزة لتسديد الديون التي تراكمت عليه خلال كتابته للروايات و رسوم الكارتون و انتاج الأفلام الوثائقية . يقول " لا أجيد التعامل مع المال ". 
سنوات الصراع منذ الاجتياح الأميركي تعتبر مجالا طرقه أيضا الروائيون من الجنود الأميركان الذين شاركوا في الاجتياح . حيث كتب المقاتل كيفن باورز رواية " الطيور الصفراء " و مؤخرا كتب جندي المارينز فيل كلاي مجموعة قصصية بعنوان " إعادة الانتشار ". بالنسبة للأميركان، يعتبر تحويل تجاربهم الى قصص عملا استذكاريا لأن حربهم قد انتهت ، اما بالنسبة للعراقيين مثل السيد السعداوي فان الحرب لاتزال قائمة تسكن واقعهم حتى و هم يحاولون جعلها حياةً افضل من خلال الذهاب للعمل كل صباح و تناول العشاء على المائدة و سقي النباتات . 
سرعان ما تم افتتاح المقهى بعد التفجير، و هو أمر شائع في بغداد حيث تعرض الأكشاك مبيعاتها بعد ساعات قليلة من التفجيرات . قال مالك المقهى مازن هاشم، الذي فقد شقيقه في التفجير، في يوم افتتاح المقهى " أشعر بحزن عميق بحيث لا استطيع قراءة الرواية ". قال السعداوي المعجب جدا بنثر همنغواي " كان الأمر بغاية البساطة ، حيث عاد الجميع مرة اخرى الى المقهى ". 
تعكس الرواية ايمان السعداوي بأن القصة ملائمة أكثر من الصحافة و من المذكرات في نقل تجربة العيش في مدينة أصبحت فيها مستويات العنف غير الطبيعية أمراً اعتياديا " أمور مثل انعدام الثقة بين الناس و غياب القانون و الأمن و الخوف المتزايد ". 
من خلال الاستعارة من بطل أدبي آخر هو غابرييل غارسيا ماركيز ، استخدم السعداوي الواقعية السحرية الى حد كبير في روايته ، حيث مزج الخيال بالواقع المروّع للمدينة . يقول الناقد الأدبي العربي مصطفى نجار " عنصر الخيال يضيف لمسة من المتعة للعمل الأدبي تخفف من قساوته". 
تظهر بغداد نفسها كشخصية هائلة في رواية السعداوي ، مدينة كما يصفها " واقع مرير " و " جحيم على الأرض ". يظهر فرانكشتاين السعداوي من الشوارع القذرة الفوضوية في منطقة البتاويين التي تمتد وسط بغداد بين ساحة التحرير و ساحة الفردوس . انها منطقة رذيلة ، من النوع الذي غالبا ما يجذب انتباه الأدباء، فهناك تتواجد المومسات و المخدرات و محال الخمور و صالونات الحلاقين و المقاهي ، حيث يقضي كبار السن الأمسيات في احتساء الشاي و التدخين و لعب الدومينو. هناك المهاجرون من السودانيين الذين اطلقوا على المنطقة يوما ما اسم " الغيتو الأفريقي" ، و المصريون . يقول جمال المصري العامل في احد المقاهي و الذي جاء من مصر في سنوات التسعينات " كل بلد فيه بتاويين خاصة به" ، و لا يدري بأنه ألهم أحد شخصيات السعداوي و ان مقهاه له موقع مهم في الرواية . يضيف المصري " البتاويين مكان للمتعة ، يمكنك ان تجد كل شيء تريده هنا ؛ المومسات و المخدرات و الكحول . تشعر بالحرية هنا ". 
لكن البتاويين لها أيضا تاريخ يحكي ماضي بغداد ، نسيج من مختلف الطوائف و الأديان و الأعراق . يوما ما عاش اليهود هناك ثم المسيحيون قبل ان تنفر المدينة منهم . يقول الرجل المسن "علي شامخ" و هو جالس على كرسي الحلاقة في صالون يقع على الشارع الذي وقعت فيه اغلب احداث الرواية " كانت البتاويين مكانا رائعا في زمن اليهود، ثم جاء المسيحيون بعدهم ، و بقيت مكانا رائعا لغاية التسعينات عندما بدأ المسيحيون يغادرونها و تحولت الى مكان للآثمين ". 
الحياة الأدبية في بغداد تتأجج كل يوم جمعة ، كنوع من معرض ظريف في شارع المتنبي. على مدى قرون كان الشارع موطنا لبائعي الكتب في المدينة . في جمعة قريبة، كان رجل يبحث عن رواية " فرانكشتاين في بغداد " ليأخذها معه الى ماليزيا خلال عطلته كما يفعل بعض العراقيين حيث يعتبرون ماليزيا من بين البلدان القليلة التي لا يحتاجون فيها الى تأشيرة دخول، لكنه لم يعثر على نسخة من الرواية . يقول احد بائعي الكتب عباس جاسم " الكل يطلب مني نسخة من الرواية ، لكنها نفدت بسبب كثرة الطلب عليها ". 
في نهاية الشارع، جلس السعداوي في الصف الأمامي من القاعة الصغيرة المزدحمة، بانتظار ان يرتقي المنبر في حفل تكريمه، و هو يتطلع الى شهرته الجديدة . بعد ان أعطى ملاحظات موجزة راح يتنقل بين الحاضرين لالتقاط صور معهم و على شفتيه ابتسامة عريضة طوال الوقت . كما انه أخبر اولئك الذين لم يجدوا نسخا من روايته ان بامكانهم تحميلها مجانا على الانترنيت. 
لقد تدهورت الحياة الثقافية في بغداد على مدى عقود من الدكتاتورية و العقوبات الدولية و الاجتياح و الاحتلال . اليوم يقول الأدباء من المستحيل ان يكسب المرء عيشه عن طريق التأليف . عرض السعداوي رسالة بسيطة لزملائه الأدباء قائلا " كل ما تحتاج اليه هو منضدة و علبة من السكائر ".
 عن: نيويورك تايمز

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram