القسم الأول لمعلومات أوسع عن ايتالو كالفينو – يرجى مراجعة موضوعنا "ساحر المدن اللامرئية ومخترق التخوم القصية للسرد : بورتريه لإيتالو كالفينو" المنشور في عدد الاربعاء الماضي 14/5/2014 ثقافية المدى <div style="direction:
القسم الأول
لمعلومات أوسع عن ايتالو كالفينو – يرجى مراجعة موضوعنا
"ساحر المدن اللامرئية ومخترق التخوم القصية للسرد : بورتريه لإيتالو كالفينو" المنشور في عدد الاربعاء الماضي 14/5/2014 ثقافية المدى
الحوار
× أية منزلة يمكن ان تكون للذهول Dilirium في حياتك العملية ؟
- الذهول ؟!! انا عقلاني دوما و كل ما أقوله او أكتبه يخضع كلية لمعايير العقلانية و الوضوح و المنطق . ما الذي تظنه في ؟ هل تتوقع ان استحيل انسانا مسكونا بالبارانويا ،عندما يتعلق الأمر بي في الكتابة فإنني أصير اعمى عندها ، لو كنت أجبتك مثلا ( نعم انا أنفعل كثيرا و أصاب بذهول عظيم اثناء الكتابة و اشعر بنشوة عظمى في هذا الفعل ) فلا اعرف حقا كيف يمكن لي ان اكتب هكذا اشياء مجنونة و لكنت أنت نفسك رأيتني رجلا اخرق بلا أية معقولية مقبولة . ربما كان السؤال الأفضل الذي نبدأ به حوارنا هو كم أضع من نفسي فيما اكتبه ؟ ، و لو كنت سألتني هذا لأجبتك : أضع رؤيتي المعقلنة و إرادتي و ذائقتي و خلفيتي الثقافية و لكن بلا تحكم كامل بما افعل و ربما جاز لنا ان نرى في هذا شكلا من أشكال العصاب او الذهول الذي يرافقني في الكتابة .
× ما طبيعة أحلامك ؟ هل أنت مهتم بـ ( يونغ ) أكثر مما تفعل مع ( فرويد)؟
- ان ايضاح طبيعة احلامي لن يرضي محللا فرويديا أكثر مما يمكن ان يفعل مع نظيره اليونغي . أقرأ ( فرويد ) لأنني أراه كاتبا ممتازا و كتاباته اقرب الى المغامرات البوليسية المثيرة التي يمكن متابعتها بشغف عظيم ، كما اقرأ ايضا لـ ( يونغ ) الذي يبدي اهتماما بمفردات في غاية الأهمية لأي كاتب مثل الرموز و الأساطير مع انني لا أرى في ( يونغ ) كاتبا جيدا مثل ( فرويد ) لكنني مولع بالاثنين معا .
× تتكرر مفاهيم ( الحظ ) و ( الصدفة ) كثيرا في أعمالك ، و تتنقل من خلط أوراق لعبة ( التاروت ) الى التوزيع العشوائي لأوراق مسودات الكتابة . كيف يلعب مفهوم الصدفة دورا في تشكيل اعمالك ؟
- كتابي الخاص بورق لعب ( التاروت ) و المعنون ( قلعة المصائر المتقاطعة Castle of Crossed Destinies ) هو الأكثر من بين كتبي الذي أجريت فيه حسابات و احتمالات و ما من شيء فيه ترك عرضة للصدفة . لا أعتقد ان الصدفة يمكن ان يكون لها ذلك الاثر البالغ في الادب الذي اكتب .
× كيف تكتب ؟ أعني الإشارة الى تفاصيل الفعل الفيزيائي للكتابة ذاتها؟
- أكتب بيدي و اجري الكثير الكثير من التصحيحات الى حد استطيع القول معه انني أشطب اكثر مما اكتب . أرى نفسي ابحث عن الكلمات عندما اتكلم و تلك ذات الصعوبة التي اعانيها عندما أكتب ، ثم اقوم بعمل عدد من الاضافات و التعديلات . اكتب في العادة بحرف صغير لذا تمر علي لحظات اعجز فيها عن قراءة ما كتبت بنفسي فألجأ الى عدسة مكبرة تعينني على قراءة ما سبق ان كتبته بخط يدي . أكتب في العادة ايضا بخطين مختلفين : الاول كبير الحجم و يحصل هذا عندما اكون واثقا كل الثقة مما اكتب ، اما الثاني فصغير الحجم و هذه استخدمها عندما اكون في حالة عقلية اقل وثوقية ، و فيها يكون صعبا علي أنا ذاتي ان افك شفرة ما كتبت . تمتلئ صفحاتي دوما بسطور ملغاة و تعديلات ، و عندما أبدأ بطباعة مسودات مأخوذة عن نصوصي الأولية المليئة بالخربشات بعد فك تشفيرها ارى نفسي قد انجزت نصا مغايرا لما بدأت به و هو الآخر اجري عليه تعديلات لاحقا . أشعر بحسد هائل فعلا تجاه هؤلاء الكتاب الذين يمضون في الكتابة بلا تصحيحات و فك تشفير لما يكتبون .
× هل تعمل يوميا أم في ساعات محددة و لأيام محددة ؟
- نظريا أود لو كان بإمكاني العمل كل يوم و لكن يحصل أنني أجد دوما لنفسي أي عذر ممكن لكي لا أبدا العمل صباحا اذ علي الخروج و إتمام شراء بعض المشتريات و الصحف ، و كقاعدة يحصل دائما انني استهلك كل صباحاتي في اعمالي الروتينية و اجلس للكتابة من بعد ظهر كل يوم. أنا في العادة كاتب نهاري و لكن لما كنت أضيع فترة الصباح من كل يوم دوما أمكن لي أن اصف نفسي كاتبا لفترة ما بعد الظهيرة كما يمكن لي احيانا ان اعمل ليلا و لكن لو فعلت سيكون صعبا علي ان أنام الليل لذا احاول تجنب هذا الامر على قدر ما استطيع .
× هل تشرع في أعمالك ابتداء من حزمة أفكار صغيرة غير مترابطة أم من مفهوم واحد طاغ ثم تقوم لاحقا بالاشتغال عليه ؟
- أبدأ في العادة من صورة صغيرة مفردة ثم اعمل على توسيعها .
× كتب ( تورجينيف ) مرة : " أفضل أن املك القليل من العدة المعمارية التي أتعامل بها في هيكلة الرواية على امتلاك الكثير منها خشية ان يتداخل المعمار مع صدقية ما اكتب " . هل يمكنك ان تعلق على هذه الملاحظة بالإشارة الى ما تكتب ؟
_ يمكنني القول ان في السنوات العشر المنصرمة كان لمعمارية ما أكتب اهمية ربما يمكنني وصفها بانها مبالغ بها و كمثال على هذا عندما بدأت كتابة ( مدن لامرئية ) كانت لدي فكرة ضبابية عن هيكل و معمارية النص ثم استحالت المعمارية شيئا فشيئا لتكون هي قلب الرواية و عقدتها في كتاب أعددته أصلا دون ان تكون له عقدة واضحة الملامح و يمكننا قول الشيء ذاته بحق عملي الاخر ( قلعة المصائر المتقاطعة ) : الهيكل المعماري اضحى متطابقا مع الرواية ذاتها ، و منذ ذلك الحين و انا مسكون بالأهمية الطاغية لهيكل و معمارية أي كتاب اكتب الى حد انني اصبحت مجنونا بها ، و يصدق نفس الرأي مع كتابي الاخر ( لو ان مسافرا في ليلة شتاء ) الذي ما كان له ان يوجد اصلا لولا انني وضعت له هيكلا دقيقا و مصنوعا بحرفية عالية . أظن أنني نجحت في هذا الجهد و هو مبعث سعادة كبيرة لي و لكن لا بد من الاشارة الى ان القارئ ليس معنيا بهذه التفاصيل ابدا فالمهم لديه هو الاستمتاع بقراءة اي كتاب باستقلالية كاملة عن الجهد الذي وضعته فيه .
× تعيش في مدن كثيرة و تتنقل في العادة بين روما و باريس و تورين ثم تعود بعدها الى هذا المنزل الساحلي قرب البحر حيث نجري هذا الحوار . هل ثمة من تأثير ما للمكان على ما تكتب ؟
_ لا أظن ذلك . ربما كان لتجربة الحياة اليومية في مكان ما تأثير على ما اكتب و لكن ليس لأنني اقيم في هذا المكان او ذاك . أعمل في الوقت الحاضر على كتاب يرتبط الى حد ما بالمنزل الذي اقيم فيه هنا في توسكانيا حيث اعتدت أن امضي ايام الصيف لبضع سنوات خلت ، لكن بإمكاني ان أمضي قدما في إتمام العمل لو انني أقمت في مكان اخر .
× هل يمكنك ان تكتب في غرفة فندق ؟
-- أعتدت القول ان غرفة الفندق هي مكان مثالي للكتابة لأنها في العادة هادئة و مجهولة العنوان فلا أكوام رسائل تتكدس أمامك تنتظر الاجابة عليها و لا مهمات اخرى بانتظارك سوى ان تجلس و تكتب ، و مع اني ارى في غرفة الفندق مكانا مثاليا للكتابة لكن احتاج الى مكان خاص بي اقرب ما يكون الى مخبأ ، و لو ان فكرة ما اختمرت في ذهني و كانت واضحة لي تماما فلدي دوما القدرة على كتابتها اينما كان حتى لو كنت في غرفة فندق .
× هل تسافر في العادة مع دفاتر ملاحظاتك و أوراقك ؟
- نعم احمل معي في العادة ملاحظاتي و ملخصات لما اريد ان اكتب ، و للسنوات العشر المنصرمة صرت مسكونا بفكرة ان احمل معي دوما ملخصات عن وقائع حياتي اينما رحلت .
× كان والداك عالمين كما نعرف . أ لم يفكرا بأن يجعلا منك عالما ؟
- كان والدي عالما في تحسين المزروعات و والدتي كانت عالمة نبات و كان كلاهما مغرمين بعالم الخضار و الطبيعة و العلوم الطبيعية و كانا يعرفان منذ البدء بعدم ميلي الى اي من اختصاصاتهما أو اهتماماتهما مع اني في الواقع اشعر بأسف شديد اليوم لأنني لم أتمثل تجربتهما العلمية كفاية كما كان ينبغي ، و ربما كان عزوفي عن اهتماماتهما العلمية يعود الى انهما كانا اكبر مني بكثير فوالدتي كانت في الاربعين عندما ولدت و والدي كان في الخمسين و لذا كانت بيننا هوة واسعة كما ترى .
× متى بدأت تكتب ؟
- عندما كنت يافعا لم تكن لدي أية فكرة عما أريد ان أكونه . بدأت الكتابة مبكرا نوعا ما و لكن قبل ان أخوض في اية تجربة كتابية كان شغفي الاول في الرسم فقد رسمت بضعة رسوم كاريكاتيرية لأصدقائي التلاميذ و اساتذتي في المدرسة لكنها ظلت رسوما خيالية أنجزت بلا اي تدريب . عندما كنت صبيا سجلتني والدتي في مدرسة تدير برنامجا لتعليم الرسم بالمراسلة و كنت وقتها في الحادية عشرة عندما ظهر لي احد رسوماتي في مجلة كانت تنشرها مدرسة الرسم التي سجلت فيها و قد اشاروا فيها الى انني كنت تلميذهم الأصغر ، و اذكر أيضا انني كتبت بضعة اشعار في تلك المرحلة و عندما بلغت السادسة عشرة جربت كتابة بعض الاشياء للمسرح الذي كان شغفي الاول حينها ربما لان علاقتي بالعالم الخارجي وقتذاك كانت عبر المذياع فحسب و الذي اعتدت سماع الكثير من النصوص المسرحية عبر اثيره .
× من الكتاب الذين كان لهم اعظم الأثر في حياتك ؟ أعني الكتاب الذين قرأتهم باعظم متعة متصورة ؟
- ثمة كتاب من الذين قرأتهم و انا في سن الصبا مثل ( ستيفنسون ) لا زالوا يمثلون لي نماذج معتبرة في الطلاقة و الدافع السردي و الطاقة على العمل ، و لا يزال كتاب مثل كيبلنغ و ستيفنسون نماذجي المفضلة بين الكتاب و أضع بعدهم ستاندال.
يتبع