بين الصمت الحكومي وبعض التسريبات الإعلامية المنبتة الجذور، تكمن جدلية العلاقة بين الدولة الأردنية وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وهي علاقة عداء وتنافر بين مملكة الهاشميين بإسلامها الوسطي المتسامح، وبين تطرف داعش ودمويتها وتكفيرها لكل الأنظمة الحاكمة، بين دولة نشأت على بقعة من جغرافيا بلاد الشام التاريخية، على أمل إعادة توحيدها بعد تقسيمها على يد فرنسا وبريطانيا عقب انهيار الخلافة العثمانية، وتنظيم عابر للحدود يعتبر الأردن كياناً هجيناً، وأرضه تقع حتماً في حدود الدولة التي يسعى لبلورتها بالدم والنار، ويعتمد دون شك على بعض المؤمنين بفكره الظلامي من الأردنيين وقد تدفق بعضهم إلى الأراضي السورية لتدمير "الحكم النصيري"، وباعتبار أنهم من أبناء بلاد الشام، وقبل ذلك جرب البعض "الجهاد في العراق ضد الروافض"، باعتبار أرض الإسلام واحدة مطلوب الجهاد الدائم فيها ضد الكفار ومن والاهم.
ليس سراً أن داعش تلقت ضربات قاسية، وإن لم تكن مميتة، في سوريا على يد أشقائها من جبهة النصرة والتنظيمات الإسلاموية، ومعهم الجيش النظامي وإن بشكل أقل، وفي العراق على يد جيشه الذي يخوض معارك ضارية في الأنبار، مؤيداً ببعض أبناء العشائر الرافضين اليوم كما في السابق لفكر القاعدة ومشتقاتها، وفي السعودية التي اعتبرتها تنظيماً إرهابياً، رغم أن البعض اتهمها بدعمهم باعتبارهم قريبين من الفكر الوهابي، وفي الأردن حيث يضع الأمن كل تحركاتهم تحت مجهر المراقبة على مدار الساعة، وإن لم يتمكن من منع بعض المضللين من الاقتناع بفكرهم "الجهادي"، وإلى حد انتشار شريط فيديو يبايع فيه شباب من مدينة معان الجنوبية أبي بكر البغدادي، ويدعونه إلى ساحة جهادهم ضد النظام الكافر في عمان.
رغم نفي قيادي مجهول في التيارات الاسلاموية لصحيفة الإخوان المسلمين في الأردن، نية داعش التحرك على الساحة الأردنية، كما اشارت تقارير صحفية عراقية للتعويض عن خسائرها في الأنبار المجاورة للأردن وسوريا، فإن المؤكد أن أجهزة الأمن الأردنية استنفرت كل قوتها، خصوصاً بعدما تسرب من أنباء عن إحباط محاولة تهريب سيارة فخختها داعش في العراق، بهدف تفجير إحدى السفارات الغربية في عمان، وقد أحبطت بالقوة المسلحة محاولات تهريب سيارات تحمل مسلحين عبر الحدود مع سوريا، ورغم عدم التيقن من انتماء ركابها، فان البعض أشر لعائديتها لحزب الله اللبناني الذي يقاتل مع النظام السوري، ويتهم الحكومة الأردنية بتسهيل انسياب الجهاديين إلى سوريا.
وهكذا تجد عمان نفسها محاصرة بالاتهامات من كل جانب، سوريا والذين معها تتهمها بالتغاضي عن تدفق أعدائها عبر الحدود، ورعايتها لبعض المنشقين عن نظامها، وبعض العراقيين يتهمها بدعم مناوئي المالكي المؤيدين لداعش، والإسلامويين يعتبرونها عميلاً للغرب والصهيونية، وعدواً مقيتاً لابد من التخلص منه، وبما يعني أن على مملكة الهاشميين تحسس مكامن الخطر المحيط بها من كل جانب، ولا ننسى إسرائيل بالطبع رغم اتهام النظام الأردني بالعمالة لها، فالدولة العبرية مستعدة لاتخاذ أي إجراء يخلصها من الفلسطينيين وحلمهم بدولتهم الوطنية، ولو كان ذلك على حساب الأصدقاء، لكننا نرى أن خطر أي نشاط لداعش في الأردن، خصوصاً في المرحلة الراهنة، يفوق المخاطر الأخرى لأنه سيؤذي الشعب قبل النظام، ولأنه سيفتح جروحاً كنا نأمل أنها اندملت من زمان.
داعش تدق الباب الأردني
[post-views]
نشر في: 20 مايو, 2014: 09:01 م