فريدة النقاش rnرحل المفكر العراقي العقلاني النقدي هادي العلوي، وفي صمت، دون ان تتوقف اجهزة الاعلام قليلا او كثيرا امام هذا الرحيل، وكان "العلوي" قد نزح من بلاده مطاردا بعد تدهور العلاقات السياسية بين حزب البعث وحلفائه ومن بينهم الشيوعيون في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، واسفر هذا التدهور الذي اتخذ طابعا تراجيديا راح ضحيته العشرات اسفر عن خروج الاف المثقفين والمناضلين السياسيين من وطنهم فخسروا وخسر العراق،
العراق الذي قادته النزاعات المغامرة والاستبدادية الىالهلاك لان حكومته على حد تعبير "العلوي" تحقق وجودها وماهيتها بالاستزلام والبلطجة ولا تعرف معنى العمل السياسي الخالص..rnوكان هادي العلوي واحدا من هؤلاء الذين استطاعوا ان يحولوا نفيهم الاجباري عن الوطن الى مأثرة بكل معنى الكلمة فاصدر عشرات الكتب والدراسات المتخصصة في الفكر والحضارة والفلسفة الاسلامية التي بحث واظهر جانبها العقلاني المشرق وكانت آخر كلماته وهو على فراش الموت (ان الحضارة الاسلامية انجزت الكثير ويجب ان تستمر في الانجاز)..rnعاش العلوي حياة الزهاد فأكل واستهلك- فيما عدا الكتب والاوراق- ما يكفي اقامة اوده وابقاءه على حقوق المحرومين من كل شيء هؤلاء الذين لابد ان يشعر المثقفون الاصلاء ازاءهم بالمسؤولية الشخصية، كان قد عاش هو نفسه طفولة قاسية، وفقدت احدى عينيه البصر نتيجة للاهمال وهو مايذكرنا بطفولة عميد الادب العربي د.طه حسين ومأساة فقده لبصره وكفاحه الباسل ضد الظلام.rnوهادي العلوي هو احد من مفكرين عرب قلائل درسوا الفلسفة الاسلامية واليونانية وكشف لنا ان الرازي مثل مدرسة متميزة للفكر الفلسفي الاسلامي خرج فيها على مدارس الاغريق والمدارس الفلسفية الاسلامية..rnوهو الذي نظر الى شعر الهجاء باعتباره شعرا ثوريا يمكن ان يكتسب مضمونا اجتماعيا او سياسيا يضعه على ملاك الادب الملتزم، وهو هنا لايعود شتما شخصيا محضا، بل انتقاد واعي لحالة ما، اجتماعية او سياسية او دينية او ما في حكمها، ويبقى الهجاء في هذا المنحى من اساسيات الموقف الاجتماعي المتقدم مكتسبا مصداقية من الضرورة التاريخية للفعل الثوري وكان هذا الفعل فضحا موجها ضد المؤسسة الجديدة التي جاء بها الحدث التاريخي..rnوقدر "العلوي" عاليا شجاعة هؤلاء الشعراء الذين لم يكن نادرا ان يفقدوا مورد رزقهم وحياتهم ذاتها لان الثمن الذي كان يقتضيه استعمال هذا الحق اي الهجاء كان فادحا بالنظر الى الاتجاه المؤسسي في المعشر الاسلامي القديم الذي وضع ادب الدفاع في صلب مهام المسلم الصالح..rnودرس "العلوي" بتوسع قوى الاعتراض الفكرية والسياسية التي نشأت في مراحل التاريخ الاسلامي المختلفة والتي تعرضت للعزل والتهميش والملاحقة كما فضح اشكال القمع والاستبداد في هذا التاريخ نفسه.rnواتخذ هو نفسه موقفا شجاعا ونزيها في دعم قضية الاكراد- وهو ليس كرديا- والدفاع عن حقهم في اقامة دولتهم المستقلة اسوة بقوميات المنطقة الاخرى سواء العربية او التركية او الايرانية..rnوانتقد العلوي بمرارة ازدواجية موقف بعض القوميين من قضية الاكراد كأمة وثقافة وقد اعترف بعض القوميين العرب باسرائيل ودخلوا معها في مفاوضات سلام جاعلين من السلام خيارهم الاستراتيجي، وهذا يعني اعتبار حيفا والناصرة ويافا والقدس العربية وعكا مدنا اسرائيلية، بينما يصر هؤلاء القوميون العرب على اعتبار السليمانية واربيل ودهوك مدنا عربية..rnوللعلوي نظرية متكاملة حول الثقافة المترجمة المبتسرة والمنزوعة من سياقها التاريخي، والفكر القومي في عموم الشرق مأخوذ من الفكر الايطالي والالماني والفرنسي ومن هنا ولاء القومي للغرب وعداؤه للقوميات الشرقية..rnلقد خسرت الثقافة المصرية كثيرا باكتفائها بذاتها وتجاهلها عددا من المفكرين العرب الكبار في بلدان الوطن العربي شأن العلوي، وهو خطأ لابد من استدراكه يوما..rnرحم الله هادي العلوي.. rnالاهالي 14/11/1998
قضية للمناقشة
نشر في: 30 سبتمبر, 2009: 05:36 م