نهاية عقد السبعينات لفت "ماجد" أنظار المتقدمين الى أكاديمية الفنون الجميلة لقدرته على صنع التماثيل من الطين بمهارة عالية ، وأثناء الاختبار نال اعجاب الاساتذة، وتوقعوا له مستقبلا كبيرا في فن النحت ، لكنه وعلى الرغم من تفوقه على الجميع ، فشل في الحصول على مقعده الدراسي ، ولم تنفع الوساطات في تحقيق أمنيته ،فشرط القبول كان يتطلب الانتماء الى حزب البعث ، فخسر الشاب فرصة دراسة الفن ، وعاد الى قريته في ريف الديوانية ليواجه لوم وتأنيب أبيه وعصيان أوامره وتجاهل ارشاداته ونصائحه ، بالابتعاد عن اللعب بالطين والتفرغ لأعمال اخرى اكثر جدوى تحقق لصاحبها الدخل المضمون .
في احد الايام اخبر ماجد أباه بدر عطية ، بانه صنع له تمثالا من الطين اعتزازا بشخصيته وضعه "تحت التبن " فاحتج الأب على هذا التصرف ، وعده انتهاكا صارخا لمكانته الاجتماعية ، وسلوكا يعبر عن قلة ذوق ، ولتفادي العقاب ، اضطر النحات الى مغادرة القرية والتوجه الى مدينة الديوانية ، قاصدا خاله مدرس التاريخ، لعله يساعده في الضغط على أبيه ليقنعه باحترام الفن والتخلص من النظرة المتخلفة في التعامل مع الرسم والنحت وبقية الفنون الاخرى .
اعتاد سكان الريف اضافة حرفي الألف واللام على اسماء الاشخاص لغرض التعريف، وبوصول ماجد وخاله الى القرية وفي اول جولة تفاوض عقدت بعد تناول طعام الغداء بحضور اخرين ، اصبح تمثال" بدر العطية" مثار إعجاب الجميع ، وكاد ينافس ضريح احد الأولياء في استقطاب الزوار ، وابدى آخرون رغبتهم في عمل تماثيل لهم مقابل اي ثمن يطلبه النحات .
التحق ماجد بدر عطية بالجيش لأداء الخدمة الإلزامية ، وبعد اقل من شهرين من تاريخ التحاقه اندلعت الحرب العراقية الايرانية ، وفي اول اجازة له عمل نسخة جبسية لتمثال أبيه ، وأوصى أفراد عائلته بالحفاظ على" القالب " وعلم احد أشقائه طريقة استنساخ نماذج اخرى عند الحاجة.
بعد اسبوع من التحاق ماجد بوحدته العسكرية بقاطع العمارة ، عاد بتابوت الى قريته ، وعلى اثر ذلك أصيب الأب بنوبة قلبية في اليوم الأخيران مجلس العزاء، ودفن بجوار قبرابنه ، فيما فقدت الأم بصرها، وعلى مدى اكثر من عام كانت تحتضن التمثال لتتلمس ما تبقى من اثار اصابع ابنها،وفي ليلة شتائية استسلمت للموت وعلى فراشها تمثال بدر العطية.
حامد شقيق الراحل ماجد ، اصر على صنع تمثال لأخيه ، فعرض جميع نماذجه في الهواء الطلق وطلب من افراد اسرته اختيار واحد منها ليعمل منه النسخة الجبسية ،واتفقت الآراء بالاجماع على رفضها ، فهي مجرد كتل طينية ، تصلح ان توضع على اعمدة فزاعات طرد الطيور من الحقول، او توضع عليها صور الفاشلين في الانتخابات من مرشحي مدينة الديوانية، لكي يتعلم مدعو امتلاك القواعد الشعبية ، ان تحقيق الفوز بالسباق الانتخابي ، لايتم عبر الصور الكبيرة ، ووضعها على واجهة مبنى المحافظة و"الك وحشة يبو ضحكة الحلوة " في اشارة الى نائب مخضرم، فشل في الوصول الى عتبة البرلمان الجديد.
الك وحشة يبو ضحكة الحلوة
[post-views]
نشر في: 26 مايو, 2014: 09:01 م