TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الك وحشة يبو ضحكة الحلوة

الك وحشة يبو ضحكة الحلوة

نشر في: 26 مايو, 2014: 09:01 م

نهاية عقد السبعينات لفت "ماجد" أنظار المتقدمين الى أكاديمية الفنون الجميلة لقدرته على صنع التماثيل من الطين بمهارة عالية ، وأثناء الاختبار نال اعجاب الاساتذة،  وتوقعوا له مستقبلا كبيرا في فن النحت ،  لكنه وعلى الرغم من تفوقه على  الجميع ، فشل في الحصول على مقعده الدراسي ، ولم تنفع الوساطات في تحقيق أمنيته ،فشرط القبول كان يتطلب الانتماء الى حزب البعث ، فخسر  الشاب فرصة دراسة الفن ، وعاد الى قريته في ريف الديوانية ليواجه  لوم وتأنيب أبيه وعصيان أوامره وتجاهل ارشاداته ونصائحه ، بالابتعاد عن اللعب بالطين والتفرغ لأعمال اخرى اكثر جدوى تحقق لصاحبها  الدخل المضمون .
في احد الايام اخبر ماجد  أباه بدر عطية ،  بانه صنع له تمثالا من الطين اعتزازا بشخصيته  وضعه "تحت التبن " فاحتج الأب على هذا التصرف ، وعده  انتهاكا صارخا لمكانته الاجتماعية ، وسلوكا يعبر عن قلة ذوق ، ولتفادي العقاب ، اضطر النحات الى مغادرة القرية والتوجه الى مدينة الديوانية ،  قاصدا خاله مدرس التاريخ، لعله يساعده في الضغط على أبيه ليقنعه باحترام الفن والتخلص من النظرة المتخلفة في التعامل مع الرسم والنحت وبقية الفنون الاخرى .
اعتاد سكان الريف  اضافة حرفي الألف واللام  على اسماء الاشخاص لغرض التعريف، وبوصول ماجد وخاله الى القرية  وفي اول جولة تفاوض  عقدت بعد تناول طعام الغداء بحضور اخرين ، اصبح تمثال" بدر العطية"  مثار إعجاب الجميع ، وكاد ينافس ضريح احد الأولياء في استقطاب الزوار ، وابدى آخرون رغبتهم في عمل تماثيل لهم مقابل اي ثمن يطلبه النحات .
التحق ماجد بدر عطية بالجيش لأداء الخدمة الإلزامية ، وبعد اقل من شهرين من تاريخ التحاقه  اندلعت الحرب العراقية الايرانية ، وفي اول اجازة له عمل نسخة جبسية لتمثال أبيه ، وأوصى أفراد عائلته بالحفاظ على" القالب " وعلم احد  أشقائه طريقة  استنساخ نماذج اخرى عند الحاجة.
بعد اسبوع من التحاق ماجد بوحدته العسكرية بقاطع العمارة ، عاد بتابوت الى قريته ، وعلى اثر ذلك أصيب الأب بنوبة قلبية في اليوم الأخيران مجلس العزاء، ودفن بجوار قبرابنه ، فيما فقدت الأم بصرها، وعلى مدى اكثر من عام كانت تحتضن التمثال لتتلمس ما تبقى من  اثار اصابع ابنها،وفي ليلة شتائية استسلمت للموت وعلى فراشها تمثال بدر العطية.
حامد شقيق الراحل ماجد ، اصر على صنع تمثال لأخيه ،  فعرض جميع  نماذجه في الهواء الطلق وطلب من افراد اسرته اختيار واحد منها ليعمل منه النسخة الجبسية ،واتفقت الآراء بالاجماع على رفضها ، فهي مجرد كتل طينية ، تصلح ان توضع على اعمدة فزاعات طرد الطيور من الحقول،  او توضع عليها صور الفاشلين في الانتخابات من مرشحي مدينة الديوانية، لكي يتعلم مدعو امتلاك القواعد الشعبية ، ان تحقيق الفوز بالسباق الانتخابي ، لايتم عبر الصور الكبيرة ، ووضعها على واجهة مبنى المحافظة و"الك وحشة  يبو ضحكة الحلوة " في اشارة الى نائب مخضرم،  فشل في الوصول الى عتبة البرلمان الجديد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram