إن كان فقهاء الدين قد حذروا من التعجل في الفتوى الدينية، واعتبروه نوعا من الخرَق والجهل، فان التعجل في إطلاق الفتاوى السياسية، وخاصة الدستورية منها، قد يجر البلاد الى هاوية الاستبداد.
أمس أفتت رئيسة الهيئة السياسية في تيار الإصلاح منال فنجان بـ"تحريم" منع الولاية الثالثة على "التحالف الوطني". الغريب في الامر ان فنجان، التي تحمل دكتوراه في القانون الدولي وليس في الفقه الدستوري، استندت إلى نقض المحكمة الاتحادية لقرار البرلمان بتحديد ولايات رئاسة الوزراء باثنتين، لتقول ان تضمين النظام الداخلي للتحالف الوطني فقرة تحدد الولايات، يعد مخالفة دستورية!
الذي أغفلته الدكتورة القانونية هو ان النظم الداخلية لمؤسسات الدولة التي تشكلت بموجب الدستور، كالبرلمان والهيئات المستقلة ومجلس الوزراء، يجب ان لا تتعارض وأحكام الدستور. اما "التحالف الوطني"، فشأنه شأن أي تجمع سياسي او حزبي او مدني، يقع خارج هيكلة الدولة، حر في وضع نظام خاص لمؤسسته يحدد به عدد ولايات مرشحه لرئاسة الوزراء. وهل ان اتحاد الأدباء لو قرر ان يحدد دورة رئيسه بعامين فقط يكون قد خالف الدستور؟
ولان صاحبة الفتوى ترأس هيئة لتيار إسلامي، سألج لها من باب الدين على قاعدة ألزموهم بما الزموا به أنفسهم، لأشرح لها كيف ابتعدت عن الصواب بتحريمها تحديد الولايات:
في الفقه الإسلامي تقسم الاحكام الشرعية الى: مباح وواجب وحرام. وهنا لا يجوز ترك الواجب ولا الاتيان بالحرام. لكن المباح يمكن تركه او ممارسته. فالزنا حرام واتيانه خروج على الشريعة. والصيام في رمضان واجب وتركه عصيان. لكن الذي لا يأكل التفاح وهو مباح لا يأثم.
الخلاصة ان الدستور اباح تعدد الولايات، كما اباح الله اكل التفاح دون تحديد العدد. فهل الاكتفاء بأكل تفاحتين من قبل المسلم حرام؟ وهل من يقر في نظامه الداخلي الاكتفاء بولايتين آثم دستوريا؟ الدكتورة فنجان تريد ان تحول المباح الى حرام وهذا هو الذي يطلق عليه الفقهاء اسم "البدع" ومفرده "بدعة". عقلاء الفقهاء يقولون ان تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام.
نعم، قال مدحت المحمود "لا" لتحديد ولاية رئيس الحكومة. هذا يعني انه اباح تعدد الولايات ولا مانع ان صارت واحدة او خمس او عشر. فهل اذا استقال "دولته" من رئاسة الوزراء وقال انه سيكتفي بولايتين، هل سيُستهجَن عمله ويعتبر مخالفة دستورية ام يُبجَّل لانه سنَّ سنة حسنة في تداول السلطة؟ اذكر فنجان بان رئيس تيارها إبراهيم الجعفري قال بنفسه انه لو كان محل المالكي لاكتفى بولايتين، فهل تقولين لرئيسك ان كلامه مخالفة للدستور؟
مؤسف ومحزن أيضا أن نجد الدكتورة فنجان، بعد ان وقفت بوجه داعية الاستبداد التي استهزأت ببدلة العمل وحطت من قيمة العمال، تأتي اليوم لتقف بوجه أول بارقة امل قد تقطع الطريق على عودة الاستبداد والدكتاتورية.
ما اضيق البلاد لولا فسحة الامل بإنهاء الاستبداد يا فنجان.
تيار الإصلاح وتحريم المباح
[post-views]
نشر في: 27 مايو, 2014: 09:01 م