حتى السفير السوري في عمان لم يشعر بالمفاجأة من قرار الحكومة الأردنية اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، فهو يتوقعه منذ ثلاث سنوات واظب خلالها على عدم الالتزام بأدنى متطلبات العمل الدبلوماسي، لكنه عبّر عن دهشته من التوقيت بالقول "إن الحكومة الاردنية تأخرت ثلاث سنوات باتخاذ القرار والله يطعمهن الحج والناس راجعه"، وهي جملة خارجة ينهي بها مهمته "الدبلوماسية" في العاصمة الأردنية، التي ضاقت به ذرعاً، بعد تطاوله على الكثير من السياسيين والصحفيين والنواب.
ركّز بيان الخارجية الأردنية على الإساءات السابقة للسفير، وعدم التزامه بأدنى متطلبات العمل الدبلوماسي، وتباينت التفسيرات فالزميل نصر المجالي يرى أنه حين السلام على الملك في حفل الاستقلال، حيث استقبله بابتسامة عريضة لكنه ودعه متجهماً، ليستدعي فوراً مدير مكتبه ووزير خارجيته ليبلغهما غضبه من كلام قاله السفير واستدعى طرده فوراً، في حين رأى آخرون أن السبب يكمن في اجتماع مع بعض مريديه، خُصص لوضع خطة لشن حملة على السعودية، وعلمت الجهات المعنية بالأمر، وربط البعض القرار بانطلاق مناورة الأسد المتأهب، حيث أساء السفير في كل ما ذكره حول هذه المناورة العام الماضي، بينما يربطه البعض بالانتخابات الرئاسية كتعبير عن عدم الرضى عن استمرار إدارة الأزمة في سوريا على النحو الذي يتم حالياً، خصوصاً لجهة وصول مقاتلي حزب الله المشاركين في المعارك ضد المعارضة قريباً من حدود الأردن الشمالية، ولعل هذا ما دفع بعض مؤيدي هذا الحزب من الأردنيين، لإصدار بيان فوري ضد القرار، كرر نفس اتهامات السفير التي زعم فيها أن الأردن يقوم بأعمال خرق للسيادة السورية، بتسهيله مرور السلاح والإرهابيين، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة مع الأميركيين والخليجيين للعمل ضد النظام السوري، والتنسيق مع الإرهابيين وقادتهم، بما في ذلك إنشاء منطقة أمنية للاحتلال الإسرائيلي في الجولان.
السفير بهجت سليمان لم يكن شخصاً مرغوباً به شعبياً، كانت التظاهرات تتوالى أمام مقره منددة بنظام الأسد وبتخطي السفير للحدود الأخلاقية والعرف الدبلوماسي، وهو تبنّى نهجاً استفزازياً أغضب كثيرين اعتبروا أنه يسيئ للأردن والأردنيين وهم يستضيفونه على أرضهم مع ما يقارب مليون لاجئ من مواطنيه الهاربين من بطش النظام الذي يمثله أو يمثل رئيسه كما يقول خصومه وهم كثر، والمدهش أن علاقته مع وزارة الخارجية ولجنة الشؤون الخارجية النيابية كانت الأسوأ، وإذا اعتقد البعض أن توقيت القرار يرتبط بالتصعيد الإعلامي السوري ضد الأردن، واتهامه بازدواجية الخطاب بشأن الأزمة السورية، دون أي أدلة، فإن الحقيقة الظاهرة تقول إن الأردن سعى للحفاظ على شعرة معاوية مع دمشق، لأسباب ترتبط بحساسية موقف الأردن وقربه الجغرافي.
المهم أن طرد السفير لايعني إغلاق السفارة، فهناك مصالح مشتركة بين البلدين، وأكثر من مليون سوري يقيمون في المملكة، وهم بحاجة فعلية لمن يقدم لهم الخدمة ويُنجز معاملاتهم لتسهيل أمورهم الحياتية، وإذا كان هناك من يطرح فكرة فتح مكتب للائتلاف السوري بديلاً للسفارة، فان الأمر يبدو مُستبعداً حالياً، ذلك أن حجم التشابك الأردني مع الدولة السورية، لا يشبه حالة دول أخرى طبّقت هذا المبدأ اعترافاً منها بشرعية المعارضة، ويظل أن علينا انتظار تعيين سفير سوري جديد لايشبه السفير المطرود، فصانع السياسة الأردنية يتأنى في سياساته المتعلقة بنظام الأسد، مقارنة بدول عربية أخرى تتدخل صراحة في الشأن السوري.
من دمشق واصل السفير تهجمه، فقال إنه كان يربي لحيته لشعوره بحالة حداد بسبب وجوده في الأردن، وهو يحلقها اليوم لأنه عاد إلى سوريا، وعلق بعض الخبثاء "حلقوا له في عمان فحلق لحيته في دمشق".
أي أسرار وراء طرد السفير؟
[post-views]
نشر في: 28 مايو, 2014: 09:01 م