عباس بيضون rnرحل هادي العلوي غريبا كما عاش غريبا وسيحشر بين الغرباء، غريب ولاوطن له سوى الحقيقة، الحقيقة التي عرفها متبدلة متنقلة، لكنها وحدها تستحق ان تكون وطنا. هادي العلوي منذ غادر بلده لم تستقر له قدم، المنفى الابدي، نفي من البلد والمنفى، من الاغراب والاهل ولاصحاب، من الرفاق والخصوم من نفسه ذاتها، منفي الى حيث لا الف ولا شريك،
وحيد وعليه ان يصارع الغيلان وفعل ذلك دون خوف، غريب وعليه ان يعاشر الشكوك، وعلى طريق المتاهة افترق العلوي عن الجميع، ووجد لنفسه حكمة غير مفهومة، وجمع في داره الماء والنار، الثورة والتأمل، الفضيحة والسلام، جمع في نفسه الساكن والمتحرك، ولم يتعب، ففي رأسه تعاشرت الافكار العدوة دون ضغينة، وفي وجدانه اختلطت الجذور المتباعدة وفي قلبه اهتدى الى حيث لم يلحقه احد..rnهادي العلوي كان من هؤلاء الذين يجدون الثقافة خط حياة وعمل حياة، وقد فعل في حياته مافعله في كتابته فالحق لايترك صاحبا، ولايترك ارثا ولا مالا، والفكر تكريس ونسك وفقر وعراء وقد عاشر هادي العلوي ملسوعا بالحق، غير مبال الا بجمرته ولهبه.rnكان الفكر بالنسبة له شأنا جديا لايرتهن بالعابر ولا السياسات الصغيرة، قال لا احسن السياسة لانه يذهب الى ابعد، وقد ذهب بدون خوف ولكن ايضا بدون ضجيج الى حيث لاتجرؤ الاغلبية، دون ضجيج ودون خوف لا اكثر انه كان مبصرا ورأى، ببساطة ودون غشاوة ابصر وروى ما رأى، لم يدع الا انه رأى لكنه ببساطة اقتلع صخورا، ودون ان يدري تخطى محرمات ودون ان يدعي قال الكلمة التي تسقط اصناما، وسمى دون ان يهاب، ودون ان يحارب او يرفع سلاحا.هادي العلوي الذي لم يخف ان يكون داعية لكنه ابى ان يكون بوقا.rnهادي العلوي الذي لم يجد حرجا في ان يتصرف كمحرض بسيط لكنه لم يتصرف في يوم كمثقفي الجهاز.rnالثوري الماركسي الصوفي التاوي التراثي وفاضح التراث، الحكيم المناضل المتأمل، صفات عز ان تلتقي لكن التجربة التي تتدفق من منابع شتى تجمعها وتجمع النفس والعالم في بوتقة واحدة.rnلم يأكل لحما هادي العلوي خشية ان يؤذي، لم يؤذ احدا ولا نبتة هادي العلوي، كان التراب تحت قدميه روحا والهواء شغفا، حدثه النخيل وحدثه الماء عن جمرة الحق التي لاتحرق، وبكل هذا الرفق اقتلع اكاذيب وصخورا واوهاما، وبكل هذا النسك فتح بوابات وقصورا، العراقي الذي سقط، ليس بعيدا جدا عن بغداد، يحمل في وجدانه المدائن التي غرقت في الصحارى والحكمة التي هبت من كل مكان الشعوب والاعراق والاديان والمعابد التي عاشت هناك، والانهار الانهار العظيمة التي رغم كل شيء تظل تجري..rnالسفير29/10/1998
الحق لايترك صاحبا
نشر في: 30 سبتمبر, 2009: 05:38 م