ليس على بعض الساسة ان يواصلوا ذرف الدموع والشكوى من تدخل ايران وغير ايران، في صفقة تشكيل الحكومة. ذلك ان المعادلة باتت واضحة ونحن نوشك على استقبال خامس حكومة منذ سقوط صدام حسين، فالتأثير الخارجي انما يستغل انقسامات الداخل، ويأتي ك"وسيط" لتقليص الهوة بين الخصوم، مغتنماً الفرصة لفرض وجهة نظره.
والسؤال هو: الى اي حد اصبحت التنازلات المتبادلة ممكنة لتتماسك القوى المطالبة بالتغيير والاصلاح السياسي؟ لقد قرأنا امس الاول تصريحات نشرتها وكالة انباء المدى، عن نائب شيعي بارز ضمن لجان التفاوض بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، قال فيها ان الولاية الثالثة اصبحت صعبة جدا فالكتل البرلمانية التي تعارض سياسات نوري المالكي، تقطف ثمار تفاهمات متماسكة تعود الى تشكيل الحكومات المحلية العام الماضي، حيث نشأ جو من الثقة في اطار العمل المشترك، عزز القناعة بأن تغيير فريق السلطة، سيساعد على تطويق الازمات الامنية والسياسية.
وهذا الكلام يعني ان هناك وجهة نظر قوية داخل الاحزاب المعارضة للمالكي، تدعو الى ابداء "تفهم مسؤول" ازاء عملية نقل السلطة، ما يتطلب وضع هدف تعزيز الثقة، كقضية اساسية تتقدم على التنافس بشأن المناصب، لمنع اي خلاف قد يثير الانقسام بين القوى المطالبة بالتغيير، ويسمح للمالكي بأن يستفيد منه.
وهنا يمكن ان نضيف ان تطويق الخلافات بين القوى المطالبة بالتغيير، سيوصد الباب ايضاً امام اي تدخل خارجي نخشى منه.
واذا قدمت هذه القوى اداء ناضجاً كهذا خلال الاسابيع المقبلة، فإننا سنكون مدينين بالشكر للمالكي نفسه، كما كتب معلق ذكي على فيسبوك، لان مجازفاته واخطاءه، شجعت الاحزاب الاخرى على تنضيج ادائها ومراجعة سياساتها، بما سيخدم متطلبات التهدئة في نهاية الامر.
ان هذا "الخارج" يدرك ان محاولة توحيد المواقف وتسوية الخلافات بنحو متعقل، بين المطالبين بالاصلاحات، تمثل صيغة لوقف او تخفيف اثر الخارج في الداخل الى اقصى المديات. ولذلك فالشهور المقبلة وبقدر ما ستشهد تماسكا لمحور التفاهم، ستعرقل رغبة الخارج بفرض صفقته. وسيضطر الايرانيون والاميركان وسواهم، الى التفاوض مع ارادة الداخل هذه.
وقد كتبت مرة، ان كثيراً من القراء يسخرون من كلامنا في هذا الاطار، ويعتبرونه مجرد احلام لا تناسب فهم ما يجري، لكنني ومعي كثيرون، نؤمن بأن مساعي الداخل لدفع سياسة متعقلة، هي محاولات متكررة لتوحيد البلاد وتطوير ممكنات التهدئة، وليس امامنا سوى ان نكرر المحاولة مرات ومرات. وحتى اذا كان القدر مصمما على ان يهزمنا لبضعة سنوات اخرى، فعلينا ان نثبت لهذا القدر الدولي او الاقليمي، ان هزيمتنا لن تكون سهلة، وأن تسويتنا الخاصة الداخلية لابد ان تنجح يوما.
ان الانسان الحديث لا يكذب على نفسه، لكنه ايضا لا يتعب من محاولات تخفيف سوء المستقبل. ولسنا اول امة تشعر بالفشل وبصعوبة تحقيق التقدم. ويكفي ان نلقي نظرة خاطفة على اوربا الغربية، مهد التطور السياسي والتحرر، لنرى انها كانت حتى خمسينيات القرن العشرين، غاطسة في مشاكل سياسية بلا نهاية. فالتيارات الثورية تضغط على الملوك وعلى مراكز القوى واصحاب رأس المال، وهؤلاء يردون بقوة ليحتفظوا بنفوذ اكبر، والنقابات تدخل على الخط بضراوة، كما ان الحروب والازمات الاقتصادية تمنح المبررات للسلطات التنفيذية كي تخرق قواعد اللعب، وهو لعب لم يكن سهلاً، وظل مساراً بطيئاً يزخر بالتضحيات. ولولا الصبر ومواصلة العمل المليء بالخسارة، لما اتيح للغربيين ان يحصلوا على قواعد لعبة اكثر عدلاً، ومعايير راقية لحقوق الانسان وتداول السلطة ومؤسسات الرقابة العتيدة.
ان جزءا من الصراع في بلادنا اليوم، مليء بالاخطاء، لكن جزءا آخر منه هو طريق سليم للتقدم، مرت به كل الامم المتحضرة، شرط ان نؤمن بأن لا خيار اخر امامنا سوى بناء مجتمع سياسي حديث، لان العودة الى الوراء ستعني المزيد من الحماقة والموت وتحكّم المتخلفين بمصائرنا.
الداخل والخارج في تشكيل الحكومة
[post-views]
نشر في: 28 مايو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
نصير عزيز
حبيبي سرمد .. اشعر بالقرف حين اقرا ما تحاول ان تسبغه على العملية السياسية وهؤلاء السماسرة تجار الدين والسياسة ؟؟ انت تستهلك الكثير من مفردات اللغة والتحليل لشخوص اقل ما يقال بحقهم هو سراق منتفعين ؟ تحليلاتك للاسف كاءني بها تتحدث على بلد اوربي او عربي ا