TOP

جريدة المدى > عام > أبواب وممرات

أبواب وممرات

نشر في: 2 يونيو, 2014: 09:01 م

انعكست أشعة الشمس القوية على العينين الحائرتي النظرة وبذل قصارى جهده في رؤية الأشياء بوضوح كاف , لايريد ان يصدق ما جرى وما حصل ,هل ينبغي له تصديق مأساة من نوع اخر , حكايات لم تخطر على البال تتحقق وتصير واقعا لا يحتمل  ..  كان المشهد الدامي

انعكست أشعة الشمس القوية على العينين الحائرتي النظرة وبذل قصارى جهده في رؤية الأشياء بوضوح كاف , لايريد ان يصدق ما جرى وما حصل ,هل ينبغي له تصديق مأساة من نوع اخر , حكايات لم تخطر على البال تتحقق وتصير واقعا لا يحتمل  ..  كان المشهد الدامي مختلط الأجزاء ببعضه ولم تحن لحظة الانفراج بعد , الكثير من عربات النقل غيّرت اتجاهها وتحايلت على الركاب باختصار الطريق ,تراجع خطوات واسعة نحو الخلف, شاهد كيف تناثرت أشلاء وضحايا, عجز عن إلقاء نظرة شاملة عليها، كانت السماء مغطاة بقشرة حمراء وصفراء ومن العسير عليه ان يحدد الاتجاه او واجهة السفر او الذهاب الى هناك وكما يريد أوكما تفرضه الحالة وأراد القول مع نفسه الحالة العامة , لكنه تردد وهو يرى كيف تقطعت أوصال وانهارت أبواب وممرات كثيرة قد أُغلقت بفعل تراكم الأشلاء وانهيار البنايات المتراصة والاخرى المتباعدة  والمزيد من النثار الذي غطى المكان والمزيد من الجدران التي نزلت الى الأرض بفعل الانفجار المدوي الذي سمع على بعد عشرات الفراسخ, أغلقت الدكاكين أبوابها في الحال والمنافذ ايضا سدت فوهاتها  ،  قطع وأجزاء من الحطام العجيب الذي غطى الشارع بصورة فاجعه , جعلته في حيرة تامة من أمره فقد اذهله ما رأى هذه اللحظة دون انتباهة الاخرين للرأس الملقى على قارعة الطريق بإهمال  , لم يكن ثمة احد لم يمتلئ رأسه بالعويل والصراخ الذي تحول الى أنين تغص به البيوت المحاذية للمكان والمحال التجارية المغلقة أبوابها الآن , اكثر من حفرة واحدة استقرت عند أقدام المارة والصمت الذي اعقب العاصفة بدا ثقيلا ولا يستطيع من يلتقيه او يحس به الا ان يقول عنه بصوت مسموع:
 ـــــ  رأس من ذاك الملقى هناك يا عباد  الله ؟  ..
شلته  الحركة المفاجئه في الشوارع والازقة القريبه , المزيد من الرجال والفتيان يهرولون نحو مكان ما , لا يدري الى أين تركض الأجساد المنهارة المذعورة والدائخة بمصيرها الغامض , الى أين تجري هذه النفوس اللائبة كأنها الوعول المتداعية في ارض شاسعة تمتد مع البصر, يا له من بصر خيّبته الانفجارات وهي لا تكف عن الاعلان عن ذاتها كأنه في موسم لعرض العاب القوى ..
كان مندهشا مما يشاهده من حطام زجاج المباني الحكومية والاخرى التي تتشابه معها في هندسة معمارها , كان عليه الوصول الى المرآب الكبير قبل ان يحط الليل فجأة  ويداهمه الظلام  في الطرقات , تذكّر الآن الصورة التي عاشت معه سنين طويله : ـــــ أنا ثمل وأنت مجنون فمن ذا يوصلنا الى البيت  ؟ من هو القادر لوقف هذا التداعي الحر اذا ما اندفع نحونا بجنون غير متوقع ؟ شاهد كيف تجسد العويل والصراخ أمامه , كل شيء برز أمامه بوضوح ساطع وكذلك انفرشت ارض السوق وتبدت الحاجيات وأعشاش الطيور وكذلك الملابس القديمة والمستعملة والأحذية المنتزعة بقوة العصف الدموي العصف الذي سمع احدهم يقول عنه : كان عصفا جبارا , ومع نفسه قال :ــــ حسنا ليكن كذلك .. ولكن من يحفظ للناس ماء وجهها بعد هذا الانهيار المروع , كانت أشلاء الطيور بأنواع مختلفة مرميه أمام ناظريه ولم تعد بحاجه الى دليل قطعي على انهيار نظام الأشياء من حوله , قطع أخشاب جدران منهارة ومرمية على الأرض السبخة والأرصفة الجرداء وقطع حديد انزرعت في الاسفلت وضحايا لا تتمكن من التعبير عن مصابها   , شاهد الكثير من احذيه مرميه على الطرقات وتراجع مذعورا , لما لمح رأسا مهشما ومستقرا عند حافة الرصيف المقابل بلا ملامح بارزه لكنها ليست غريبة عليه قط  ولا احد يجرؤ على ملامسة الرأس المقطوع او يقترب منه , العديد من قوائم كراسي المقاهي متناثرة , بل الكراسي تم تحطيمها الى الابد (( رأس من هذا المرمي عند حافة الرصيف المقابل ؟)) , بل شاهد عددا من الفتيان الأشداء يركضون بمحاذته ولم يعره اي واحد منهم انتباها , العينان تنظران نحو الفراغ الكبير الذي لا يحده حد بل قل الأمكنة التي
تنهار بفعل الانفجار المتعمد كلها تعاني فقدانا قسريا على الضياع والتوهان المؤلم الذي يتبرأ منه المرء في ساعة لها طعم الرماد او الرمل الناشف (( رأس من هذا الذي أراه ولا استطيع تنبيه الاخرين الى وجوده الخفي عند الناصية المهملة  ؟ ترى أهو رأسي , الا يشبهني من حيث  لا ذنب له الا ان يكون رأس شخص من ذريتي  او احد معارفي ؟ يا إلهي أعنّي على هذه البلوى  )) ابتعد خطوات كاد يوشك على التقيؤ في الشارع أمام المارة  وهو يرى كل ما يمكن له ان يدفع بالأشياء الى التحكم بمجرياتها تم تحطيمه بصورة مدروسة ولا يمكن لأحد ان تنطلي عليه تلك المغامرات الرعناء التي تدفعنا الى الجزع من كل شيء ينتسب الى أرواحنا التي لا احد يتكفل بانقاذها من ورطتها , هل القتل هواية ام الموت غدا علامة ؟  من ينبغي له ان يموت ومن له الحق كله على ان يفتح سجل الموتى ليدخل فيه من يشاء ومن لا أجل له ؟
جاءت الحكومة تلك الساعة وجاءت سيارات الإسعاف وكذلك عربات بيع الخضراوات وعربات أحجار البناء وحشد كبير من نساء ورجال يبحثون قبل حلول الظلام اللعين عن ذويهم ولما احاطوا بالرجل صاحب النياشين , صاح الرجل بهم غاضبا : ـــــ  لست مسؤولا عن ما يحدث هنا او هناك هيا افرنقعوا يا أولاد الزانية تتهمون الحكومة بكل صغيرة وكل كبيرة بلا حياء او خوف من احد ..
سمعت شابا قريبا مني يصرخ: ـــــ آه ياخدم الشيطان الأكبر الى اين تذهبون من عذاب الله غدا؟..
 صحت من مكمني ذاك : ــــ رأس من هذا الملقى عند ناصية الطريق؟ اليس هو رأس أبي ام رأس أمي ياللهول أين سأمضي الليل وقد فاتني الباص الكبير ؟ غير اني فوجئت كما غيري بقرع الطبول والمزامير وأجراس الحرب والإعلان عن رأس مفقود وان حربا طاحنة سوف تجتاح المدينة لا محال , قلت هو رأس أبي قبل ان يودع الدنيا ويغادرنا الى الأبد , قال رجل رصين المظهر وهو يحدق بالمارة من الناس :
 ــــ اخبروا الحكومة ان عليها ان تكنس الشوارع من الغرباء ..
ــــ تقصد الفضلات والمزابل وأكوام القمامة التي  تملأ الشوارع!؟
 ثم علا صوته وهو يحدق بوجهي مبهورا : نظّفوا كل شيء , لكنه لم يحد بنظره عني , تقدم مني خطوات حتى بات بمحاذاتي :
ــــــ اليس هذا الرأس رأسك يابني؟؟
ـــــ لم تعد لي به حاجة ياسيدي!!
غير اني تجاهلت الصوت المنبعث من ورائي , ودائما أتجاهل تلك الأصوات ولن أعير لها انتباها .. كان من الواضح إهمالي له لئلا يدخلني في ورطة الرؤوس المقطوعة بفعل العبوات الناسفة  والسيارات المفخخة التي لا احد يستطيع معرفة متى ستنتهي هذه المسرحية السوداء وهي تعيش  بين ظهرانينا معززة بكل ما تريده منا ,نحن أصحاب الرؤوس المقطوعة..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram