واحدة من اكبر المشاكل التي واجهتنا كعلمانيين لا نؤمن بجدوى التخندق سياسياً وراء الطائفة، هو اضطرارنا للحديث عن الطوائف. لكنها اللحظة التي ينهال فيها على الناس ركام الموت والجزع والريبة، فيرتدّون الى بدائيتهم، مثل عاجز عند حبل المشنقة، ينسى كل العلائق الاجتماعية التي ينتمي اليها ولا يتذكر سوى صوت امه او دعم ابيه، ويغوص في صمت المستسلم الا لمشيمته الاولى. وقد شعر كثير من العراقيين في اللحظة الفاصلة بين العيش مع المشنقة، والخلاص المريب منها، انهم بحاجة الى صوت الام ذاك، اذ لا دولة ولا آثار تحديث النظام الاجتماعي المنتكس، فكانت الطائفة هي الملاذ.
والانقسام العميق جعلنا نعجز عن التخلص من التصنيف الطائفي، فكثير من السنة يحسبونك منحازاً للشيعة حين تعلن انك ضد صدام حسين، وكثير من الشيعة يحسبونك متضامناً مع السنة حين تعترض على طريقة حرب الانبار وإهمال التسويات. وأحياناً لا يستوعب بعض السنة وبعض الشيعة، انك ضد حرب الانبار، لكنك ضد حمل السلاح في صفوف داعش او غير داعش، فيتهمك الاول بالصفوية، والثاني بالغباء.
واذ نجد انفسنا مجبرين على الخوض في هذه اللحظة البدائية التي طالت وستطول كما يبدو، فإن ابرز مشاكلنا مع نهج نوري المالكي في ادارة الدولة، هي طريقته في ادارة الخلاف مع السنة. وليست دوافعنا في ذلك اننا منحازون إلى اهل الانبار او نينوى، كما لا نمن عليهم بموقفنا هذا. بل نعتقد بأن استقرار المحافظات تلك طريق وحيد لاعادة الاستقرار الى مناطق البلاد الاخرى، وأن ادامة الصراع لم تؤد عبر التاريخ، الى نجاح الغالب في إخضاع المغلوب، ولو بعد حين.
لكننا نشعر احياناً بأن بعض الساسة السنة يقولون لنا بأننا "ملكيون اكثر من الملك" فالعديد منهم، يطالبوننا بأن نكون "واقعيين" وان لا "نتطرف" في الموقف من سياسات المالكي! وحين تغامر قيادات شيعية بخرق كثير مما يعد "محرماً" وفق التخندقات الجارية في البلاد، يأتي الخرق من بضعة نواب من تلك المحافظات التي احرقتها اخطاء الحاج ابي اسراء، ويكاد ان يلحق الضرر بالجبهة الوطنية العابرة للطوائف والتي تطالب بالاصلاح والتغيير!
التبريرات التي نسمعها اليوم من قادة متحدون، تساعدنا على تفهم ما يجري. فالمالكي يلوح باعتقال البعض وبكشف فساد اخرين، وهؤلاء يضطرون لابداء المرونة. لكن هذا التبرير يدفعنا للتساؤل: لماذا قبلت متحدون اساسا بخوض الانتخابات مع كيانات يهددها المالكي بكشف الفساد، وهي كيانات معروفة سبق وان تخاذلت وتراجعت في ملف سحب الثقة، كما انها كيانات سيضطر المطالبون بالاصلاح، الى احتوائها وتقديم مغريات لها كي لا تذهب نحو المالكي، اي اننا سنتسابق مع المالكي لارضاء عدد من الفاسدين والقبول بهم؟!
كما ان مناطق العراق الاخرى لن تستقر الا باستقرار نينوى والانبار، فإن مواقف المجلس الاعلى والتيار الصدري وكل المواجهات الصعبة التي خاضها مسعود بارزاني، لا يمكن ان تنجح بمفردها في إحداث تغيير سياسي وصناعة مناخ تهدئة، طالما كان ممثلو تلك المحافظات، يتبنون حسابات غير واضحة احياناً، ومحاطة بالتردد في احيان اخرى.
الملاحظة التي تستحق الاهتمام، هي ذلك الغضب الذي بدا عند الرأي العام في نينوى والانبار وصلاح الدين، حيال المواقف المتساهلة مع المالكي، واضطرار اصحاب المواقف الى اصدار التوضيح تلو التوضيح، لمحاولة التبرؤ من دعم الولاية الثالثة، وهو امر يعني ان دور الرأي العام لم ينته عند صناديق الانتخابات، وأن الجمهور يكتسب شيئا فشيئا، تأثيره المطلوب، فقد تعلم كيف يحتج ويعترض، وسيدرك الساسة بالتدريج خطورة هذا الرقيب، الذي في غيابه، لا امل بنظام حديث ولا معايير متقدمة، حتى لو اجرينا مليون انتخابات.
مشاكل الاحزاب السنية
[post-views]
نشر في: 2 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ابوحيدر اللامي
كلامك يلامس الواقع استاذ سرمد
ستار العراقي
يعني يا سيد سرمد أنت تعترض على طريقة حرب الأنبار ولا تعترض عليها كحرب إبادة؟ تقصد إنها حرب حق لولا الطريقة التي تنفذ فيها ، هي حرب إجرامية هدفها الأول الناس الأبرياء تقاد بحقد وحرقة طائفيه.
شذى
في الفترة الاخيرة اصبحت مقالاتك موضوعية وتستحق القراءة والتفكير ايضا فيما تكتب