TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صور الحرب في مؤتمر ألماني

صور الحرب في مؤتمر ألماني

نشر في: 3 يونيو, 2014: 09:01 م

1-2
كان أرنست همنغواي متمرساً في صيد الحيوانات الكبيرة المفترسة. هناك صور عديدة له ببدلته الكاكية اللون (لون يتناسب كثيراً مع لون أحراش الغابات)، يحمل بندقيته في أعماق غابات أفريقيا، يطارد الحيوانات الكبيرة الى ملجئها الأخير هناك. ليس من الغريب إذاً، أن يُسقط صاحب "ثلوج كيلمينجارو"، تجربة الحياة المتوحشة على مجالات أخرى في حياته. فمثلاً، عن تجربته في الحرب العالمية الثانية، كتب ذات مرة: "الأمر يشبه أن يرى المرء فيلاً ضخماً". في زمننا الحاضر نرى الحيوان الضخم غالباً في الأقفاص بدل الأحراش، أو نراه يرقص من أجل إمتاع المشاهدين في السيرك. رغم ذلك، حتى اليوم وفي أماكن عديدة من العالم، ما يزال الفيل بالنسبة للأغلبية منا، كائناً يقترب من الأسطورة، معرفتنا عنه تأتي في المقام الأول مما تقوله الاساطير والقصص التي تُروى عنه، والتي تحوله على الأغلب إلى كائن يثير الرعب، كائن غامض وصانع معجزات. بشكل عام، من الصعب على أي منا أن يستوعب جوهر كائن يقترب وزنه من 2.8 طن، له القدرة على تحمل كل التناقضات. هناك طرفة معروفة تتحدث عن ثلاثة فلاسفة عميان، وقفوا أمام الفيل، والذي ظنه كل واحد منهم شيئاً آخر حسب الجزء الذي لمسه بيديه. فهو أفعى بالنسبة لمن لمس الخرطوم، وشجرة بالنسبة لمن لمس الساقين، بينما كان جبلاً بالنسبة لمن لمس ظهره. الفيل يمكن أن يكون كل شيء، لأنه يملك آلاف الأشياء التي تقود إلى أكثر من تأويل. بالضبط مثل الحرب!
ومن أجل وصف الحرب، لابد للمرء أن يعقد هذه المقارنة، لكي يعطي مدخلاً إلى حد ما، مقنعاً بعض الشيء، للبحث بوصف الحرب، اية حرب. تلك المقارنة في الحقيقة شكلت محور النقاش الذي استمر على مدى أربعة أيام، في الملتقى الذي نظمته جامعة هيسين عن موضوعة: "الحرب كتابة وصورة". "تقديم شهادة عن الحرب، أية حرب، يعتبر من أكثر الأمور تعقيداً"، كُتب في كلمة الملتقى. "ليس هناك أحد يرى الأشياء، كما هي حقيقة في الحرب، إذ تلعب العديد من الوقائع الأمر الحاسم: الآمال والبواعث والإختلافات الثقافية الشخصية، بل وحتى إختلافات الضوء تؤثر على إدراك الشاهد وعلى القصة التي يرويها في المحصلة". وذلك على الأقل ما إتفق عليه عشرون متخصصاً في الثقافة كرسوا جهودهم لدراسة صورة الحرب في التصوير الفوتغرافي والسينما والأدب، ودرسوا بصورة خاصة "البعد الأخلاقي للشهادة التي يقدمها من عاشوا الحرب، والديناميكية الجمالية الخاصة، التي تكمن في كل شفرة من الكود الذي تمثله القصة أو الصورة.
"الحروب العظمى لا تنتهي"، كتب ذات مرة الفيلسوف الفرنسي باول فيرليو. والدليل على كلامه، هو صور الحرب العالمية الثانية التي رأيناها من جديد في السنوات الماضية الأخيرة، عندما تم الإحتفال بذكرى الحرب العالمية الثانية في معظم البلدان الأوروبية". الشيوخ الذين كانوا جنودا في تلك الحرب، والذين ظهروا في مختلف البرامج التلفزيونية، تحدثوا عن تجاربهم وذكرياتهم في الحرب العالمية الثانية؛ تحدثوا في كل بلد قصة أخرى مختلفة. "حدث تراجيدي مثل الحرب يحتاج من أجل إعادة صياغته إلى بنى مختلفة"، قالت إحدى المشاركات في الملتقى، الإيطالية فيتا فورتوناتي، في تعليقها على تلك القصص، والتي قدمت لها الدليل الحاسم على أن "الذات الأوروبية هي قصة لذكريات متناقضة".
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ملاك

    كلما يبتعد زمن الحرب تتوضح الصور..كأن الذاكرة تنقل تفاصيل الصورة وكل ما يحيط بها.أما الحروب الحالية وماأكثرها فصورها ضبابية أحيانا تشبه الفيل ومايخيل منه وتشبه النملة أحيانا أخرى.شكرا للكاتب نجم والي ولكل مايتناوله في مقالاته

يحدث الآن

أرنولد: فخور باللاعبين وكأس العرب بطولة رائعة

المنتخب العراقي يودع بطولة كأس العرب من الدور ربع النهائي

الأنواء الجوية تحذر من ضباب كثيف غداً السبت قد يسبب انعدام الرؤية

وزير خارجية لبنان: تحذيرات عربية ودولية من عملية إسرائيلية واسعة

(المدى) تنشر تشكيلة العراق أمام الأردن في كأس العرب

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram