رفعة عبدالرزاق محمدفي العشرينيات من القرن المنصرم، برز في اسماء الصحافة العربية التي كانت اوضح سمة لليقظة الفكرية والعلمية التي فرضت نفسها على الواقع العربي، صحفي ومؤرخ وكاتب كبير، كانت جولاته ومعاركه وآرائه موضع اهتمام وتقييم الجميع،
انه الصحفي الكبير امين سعيد (1890- 1967) صاحب المؤلفات التاريخية الخطيرة، وقد عرف امين سعيد باهتمامه بالقضايا العربية التي كانت تتمحور حول الاستقلال وانهاء الوجود الاجنبي وتقريب البلاد فيما بينها، ومن المثير ان يكتب هذا الصحفي الكبير عن اكبر شخصية قومية كردية آنذاك، وهو الشيخ محمود الحفيد ويلتقيه سنة 1933..وامين سعيد، صحفي ومؤرخ، ولد في مدينة اللاذقية ونشأ فيها، وعمل مع ابيه في مطبعة صغيرة وجريدة اسبوعية سنة 1909 ووقع بينهما ما ادى الى فراقه عن ابيه وعن مدينته التي لم يعد اليها الى النهاية، فذهب الى بيروت فدمشق، ولما وقعت الثورة السورية ضد الفرنسيين كان امين سعيد في القاهرة يكتب في جريدة (المقطم) مقالات كان لها الاثر الكبير لدى القراء، ثم اصدر مجلة (الشرف الادنى) في القاهرة، وعاد الى دمشق ليصدر جريدة (الكفاح) اليومية. وبعدها انصرف الى التأليف حتى وفاته في بحمدون بلبنان سنة 1967..شغف بجمع الوثائق والقصاصات وتسجيل مشاهداته في رحلاته في البلاد العربية، وجعل منها كتب عديدة، اصبحت في السنوات التالية من مصادر البحث ومراجعه، اشهرها (الثورة العربية الكبرى) في ثلاثة اجزاء و(ملوك المسلمين المعاصرون) و(تاريخ الدولة السعودية) وغيرها من الكتب السياسية والتاريخية ومن كتبه المطبوعة (ايام بغداد) الصادر في القاهرة سنة 1934، ضمنه ما كتبه عن العراق عند زيارته له لحضور حفلة التأبين الكبرى التي اقيمت ببغداد بمناسبة انقضاء اربعين يوما على وفاة الملك فيصل الاول، فاغتنم الفرصة وطاف في ارجاء العراق وكتب بذلك فصولا شائعة في جريدة (المقطم) المصرية وغيرها من الجرائد وجمع تلك الفصول في هذا الكتاب النفيس النادر.ومن هذه الفصول الفصل الذي عقده للحديث عن الشيخ محمود الحفيد، الذي نقدمه هنا، مرجئين التعليق على نصه الى مكان آخر وذلك لان بعض عباراته وانطباعاته جديرة بالتعليق والتصويب.حكمدار كردستان او كاكا شيخ محموديؤلف سكان كردستان العراقية وعددهم نحو نصف مليون نسمة، سدس رعايا دولة بغداد، وتؤلف بلادهم وهي جبلية وعرة المسالك، في شرقي العراق الشمالي، خط الدفاع الطبيعي لهذه البلاد ازاء ايران وتركيا، فهي تجاور الترك من الشمال كما تجاور الفرس من الشرق، وتتصل بهم اتصالا وثيقا، جعلها تتمتع بمركز خاص من الوجهتين العسكرية والاقتصادية.وزعيم اكراد العراق وعميدهم هو كاكا شيخ محمود بطل حوادث السليمانية الشهيرة، ومنازل الانكليز والعرب، ومقاتل الترك والروس ورهين بغداد في هذه الايام.وزعامة الشيخ محمود، روحانية وراثية، انتقلت اليه بالتسلسل من جده الشيخ معروف النودي، ويتصل نسب هذا بالامام موسى الكاظم وبينهما 29 جدا مدونة اسماؤهم، مسجلة تواريخهم.والشيخ محمود يجمع بين القادرية والنقشبندية وهما الطريقتان الصوفيتان المنشرتان في كردستان، وبعظمة عامة الكرد وخاصتهم ويعتقدون ان ولاية جده الاكبر الشيخ معروف النودي حلت فيه منتقلة من والده الشيخ سعيد، فجده الشيخ محمد فوالد هذا كاكا احمد بن الشيخ معروف نفسه، ومعنى كلمة (كاكا) في اللغة الكردية (الاخ الاكبر) وقد انتقل الشيخ معروف الى السليمانية في اواخر القرن الثاني عشر للهجرة فقد استقدمه المرحوم سليمان باشا بابان واليه تنسب السليمانية وهو مؤسسها، من بيجدرين سنة 1197هـ وانزله دارا انشأها له قرب الجامع الكبير فكان يعظ الناس ويعلمهم ويرشدهم ويذكرهم فارتفعت منزلته وسما مقامه..وللشيخ معروف مؤلفات عديدة باللغة العربية لايزال بعضها مخطوطا وقد اطلعت على جانب منها حين زيارتي لحفيده الشيخ محمود فمنها ارجوزة بأسماء اهل بدر، وكتاب في علم المعاني، وكتاب آخر شرح به ارجوزة الزنجاني ويقال ان مؤلفاته بلغت المائة والخمسين ظلت محفوظة في مكتبة العائلة في السليمانية حتى الحوادث الاخيرة فنهبت وضاع معظمها، ولم يبق سوى القليل منها بيد الشيخ محمود وينوي طبعها ونشرها اذا استطاع.وكان المرحوم الشيخ سعيد والد محمود على صلة بالسلطان عبدالحميد وقد زاره في عاصمته سنة 1904 مصحوبا بنجله الشيخ محمود وقضى زمنا في ضيافته وكانت هنالك رموز سرية اصطلح عليها بين السلطان والشيخ فكانا يتراسلان ويتكاتبان مما زاد في نفوذ الشيخ ومقامه فكان المتصرفون والاوة والحكام يرجعون اليه وكان صاحب المقام الاول في هذه الناحية من بلاد الكرد.وما كاد الاتحاديون يقبضون على مقاليد الحكم ويسقطون السلطان عبدالحميد سنة 1908 حتى عملوا على الانتقام من الشيخ سعيد فاستقدمواه مع بعض اتباعه وبينهم ابنه الشيخ محمود، واخوه الشيخ احمد الى الموصل وحدثت اثناء اقامتهم فتنة بينهم وبين اهل الموصل فقتل الشيخ سعيد وعدد من اتباعه وسلم نجله واخوه فاعتقلا ثم اطلق سراحهما بتهديد العشائر الكردية فاعتصما برؤوس الجبال ثم عاد الى السليمانية في سنة 1910 من دون ان ينالا عفو الحكومة وقد رأت من مصلحتها ان لاتتعرض لهما وانصرف الشيخ محمو
الحفيد كما وصفه صحفي عربي كبير سنة 1933
نشر في: 7 أكتوبر, 2009: 05:02 م