لم تجد الولايات المتحدة مناصاً من التعامل مع حكومة التوافق الفلسطينية الجديدة، وأكدت أنها ستواصل تقديم المساعدات لها، ولو أنها حاولت تخفيف وقع الصدمة على حليفتها إسرائيل، التي عبرت عن خيبة أملها من الموقف الأميركي، فحذرت من أنها ستراقبها عن كثب لضمان احترامها مبدأ نبذ العنف، ولأن واشنطن تعرف جيداً سياسات الرئيس محمود عباس، فانها واثقة أنه شكل حكومة تكنوقراط انتقالية لا تشمل عناصر مرتبطة بحماس، ومع ذلك ولطمأنة الحلفاء قالت إنها ستواصل تقييم تشكيلة الحكومة الجديدة وسياساتها، وستحكم على أفعالها، وعلى الرغم من تهديدات سابقة فإن الإدارة الأميركية تعهدت بمواصلة تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية، رغم عدم اتضاح موقف تل أبيب من استئناف مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني.
قبل الموقف الأميركي كانت الدول الأوروبية رحبت بحكومة التوافق ليس عن رغبة بالتعامل مع حماس، وإنما لثقتها بأن القرار السياسي سيظل بيد عباس، وأن أي مفاوضات سلام ستتم معه، وأن أي اتفاق سيكون بعيداً عن حكومة التكنوقراط التي تتهمها الدولة العبرية بأنها تضم عناصر من حماس، التي تعتبرها منظمة إرهابية تهدف إلى تدمير إسرائيل، رغم أنها تعرف أن هذه الاتهامات بعيدة عن الواقع الذي خبرته من خلال تعاملها مع هذه "المنظمة الإرهابية"، وأسفر عن عقد هدنة طويلة الأمد غير محددة تاريخ الانتهاء، تمتنع حماس خلالها عن القيام بأي أعمال "عدوانية" ضد إسرائيل، أما دعوتها لواشنطن بالضغط على الرئيس لإلغاء اتفاق المصالحة مع حماس، والعودة إلى مفاوضات السلام مع إسرائيل، فليست أكثر من محاولة بائسة، لتغطية كل تصرفاتها السلبية التي أدت لوقف العملية التفاوضية، التي كانت الإدارة الأميركية ترعاها وتعرف من عرقل مسيرتها.
لن يكون مُجدياً موقف بنيامين نتنياهو الذي يتهم عباس برعاية الإرهاب والاستمرار في سياسته الرافضة للسلام، فهو يعرف أكثر من غيره أنه لن يجد شريكاً فلسطينياً راغباً بالسلام أكثر من أبو مازن، إلا إن كان المطلوب أن يكون الشريك مستعداً للخضوع لمشيئة اليمين الصهيوني، وشروطه التي لاتكف عن التوالد كالفطر، والقبول بوأد الحلم الفلسطيني بإنشاء الدولة المستقلة، أما الإجراءات التي قررت اللجنة الإسرائيلية الوزارية لشؤون الأمن القومي اتخاذها، وتقضي بعدم جواز التفاوض مع حكومة فلسطينية تعتمد على حركة حماس، والعمل على جميع الأصعدة - بما فيها على الصعيد الدولي- ضد إشراك "تنظيمات إرهابية" في الانتخابات الفلسطينية، وتخويل رئيس الوزراء فرض عقوبات إضافية على السلطة الفلسطينية، فإنها ليست أكثر من قرارات انتقامية توقعها الفلسطينيون، ولن يسمحوا لها بالتأثير على قرارهم.
المؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تدرك أن قرار المصالحة، وما أسفر عنه من تشكيل للحكومة، وما يلي ذلك من عقد انتخابات تشريعية ورئاسية، يضع عباس في موقف تفاوضي أقوى، على عكس رغبتها بأن يظل ضعيفاً وفاقداً لشرعية تمثيل كل الفلسطينيين، كما كان سائداً أيام الانفصال بين الضفة والقطاع، وكان الأنسب لها أن يستمر ذلك فيما تواصل مماطلاتها في التوصل لاتفاق نهائي، بحجة أن من يوقع الاتفاق من الجانب الفلسطيني لايمثل شعبه التمثيل الكافي، لكن المؤكد أيضاً أن المصالحة الوطنية الفلسطينية كانت مطلباً فلسطينياً وعربياً شعبياً، وأن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون خطوة مهمة لدعم وحدة الصف واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ذلك ما يزعج اسرائيل ويستثير غضبها ويدفعها لكل ردود الفعل التي لن تغير شيئا.
حكومة التوافق والموقف الأميركي
[post-views]
نشر في: 3 يونيو, 2014: 09:01 م