TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صانع الكذبات الملونة

صانع الكذبات الملونة

نشر في: 6 يونيو, 2014: 09:01 م

ترى هل يمكننا أن نستعير مقولة معروفة عن الشعر ونطبقها على بعض الأعمال الفنية ؟ هل يمكننا أن نقول مثلاً أن ( أكذب الرسم أجمله ) على اعتبار أن الرسم هو كذبة بصرية ؟ وهل بإمكان الفن أن يقول لنا أكثر مما نفهم أو نرى أو نتخيّل ؟ نحن نعرف أن الكثير من الرسامين مارسوا هذه الكذبات الملونة وذهبوا بعيداً في ذلك ، بل أن بعضهم أخذوا يطلقون عناوين غرائبية على أعمالهم الفنية ويمنحونها مسميات لا تنطبق بأي شكل من الأشكال على ما نراه في أعمالهم . وأنا هنا أتحدث عن الفنانين المحترفين الذين تملك أعمالهم بشكل أو آخر مزايا العمل الفني الناجح وليس عن نمط ( الفنانين) الذين يعرضون على سبيل المثال ثلاثة أعمال بسيطة ومتشابهة ويضعون تحتها عناوين مثل ، حلم رقم واحد ، حلم رقم 2 ، حلم رقم 3 .
صحيح أن الفن لا يمكن أن يعطي تأثيره الكبير والكامل ما لم يحتو على بعض الفنتازيا والخيال والغموض أيضاً ، وهو من خلالها يشكّل حضوره وإبهاره وربما بدون هذه الأشياء لا يكون فناً مهماً ولا كاملاً أيضاً ، لكن هناك الكثير من الفنانين اعتمدوا على الفكرة أكثر من اعتمادهم على تكوين العمل نفسه ، وضعوا الأفكار فوق الصياغة الفنية والجمالية ، هم ابتعدوا عن الأسلوب والتقنيات واقتربوا من المعلومة أو الفكرة أكثر . صحيح كذلك ، أن الأفكار في أحيان كثيرة تكون مهمة للعمل الفني ، لكن الماتريال والخيال هما اللذان يقودان العملية الفنية وبدونهما سيكون الفن عارياً لا وجود له ، سيكون دخان الشمعة لا الشمعة نفسها ، سيصبح مثل ظل امرأة على جدار لا المرأة نفسها . هنا حين أقول الأفكار والمعلومات فأنا لا أقصد بذلك الخيال ، فهذا الأخير يختلف عن القصص التي تبث مع عمل ضعيف المستوى ، الخيال له علاقة بالخلق ويدفع العملية الفنية إلى مديات بعيدة وغامضة ومشوقة أيضاً ، وهو الذي يعطي للمغامرة نتائجها غير المتوقعة والجديدة .
أتذكر حين كنت أعمل رساماً في مجلة ألف باء سنة 1993 كُلفت وقتها برسم بورتريت صغير لـ (ديرك والكوت ) الحائز على جائزة نوبل للآداب في تلك السنة ، كي ينشر مع الخبر في المجلة ، يومها كان هذا الكاتب غير معروف بشكل جيد ، وبطبيعة الحال لم يكن هناك أي وجود للأنترنيت أو غوغل للبحث عما يدلني على شكله أو هيئته ، فذهبت إلى أرشيف المجلة لأستعين بصورة لهذا الكاتب ، لكني وبكل الطرق المتاحة لي في البحث ، لم أجد أي شيء يشير إليه ، بقي شكله محيراً لي ولا أعرف كيف سأرسمه ! عندها فكرت ، بما أنه من الكاريبي فربما تكون ملامحه تميل إلى السمرة ، وقتها لم يخطر على بالي سوى اللاعب الهولندي رود غوليت ، وهكذا رسمت البورتريت الصغير ودفعته إلى المطبعة . ظهر الخبر مع الرسم في المجلة ، وبعدها تناقلت بعض الصحف الخبر أيضاً ووضعت معه تخطيطي الافتراضي والمتخيل . الجميل والمفاجئ أنه بعد أيام قليلة ظهرت صورة الكتاب في بعض المطبوعات . وكم كانت مفارقة عجيبة بالنسبة لي حين نظرت إلى صورة والكوت ووجدتها لا تشبه الرسم الذي رسمته له ، لا من قريب ولا من بعيد ! ضحكت كثيراً وأنا لا أدري إن كان ذلك ينتمي إلى الكذبات الملونة أم إلى الخيال ، لكني كنت أعرف تماماً بأنه كان مسلياً بشكل كبير بالنسبة لي .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram