ليس تشكيكاً بنزاهة الاقتراع، ولا اعتراضاً على فوز مرشح بالذات، كان واضحا أن الانتخابات انعقدت لتأكيد فوزه، ولا تشكيكاً بعديد الأصوات التي حصل عليها الدكتور الأسد، ولا انتقاصاً من شخصية منافسيه، ولا دراسةً لعواطف السوريين تجاه المترشحين، أو قرارهم العقلاني الناجم عن اليأس من تطور الأمور إلى الأفضل، لكنه تساؤل عما ستؤول إليه الأمور، بعد "العرس الديمقراطي" الذي شهدته بعض سوريا، وما إذا كنا إزاء حلول سياسية، تأخذ بالاعتبار ما مرت به البلاد خلال ثلاث سنوات، من قبيل تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، لا ينفرد حزب البعث والذين معه من أحزاب الجبهة بمقاعدها وسياساتها، وتُعبّر عن الواقع الذي يفرض نفسه شئنا أم أبينا، ويخرج بالبلاد من أزمة الارتهان للوصاية الدولية.
لا شك بصعوبة المرحلة المقبلة، فقد خلّفت الحرب انقسامات عميقة ضربت وحدة المجتمع السوري، والمطلوب اليوم هو استعادة ثقة الناس بدولتهم، كخطوة ضرورية لاستعادة مظاهر الحياة الطبيعية، وسيادة فكرة التسامح مع المعارضين باعتبارهم مواطنين، خصوصاً بعد ما يمكن اعتباره انتصاراً على قادة معارضة الخارج، بالطبع يُستثنى من ذلك كل التكفيريين الذين سلكوا طرق الإرهاب، فللشعب السوري قبل الدولة والحكومة ثأر مع هؤلاء لابد لأن يتحقق، وقصاص لابد أن ينالوه، والراهن أن في سوريا أكثر من معارضة، بعضها تحت سقف النظام وتؤمن بالإصلاح من داخله، وبعضها يرى أن مستقبل سوريا سيكون أفضل وأكثر استقراراً بدون الأسد، والبعض الآخر يحمل السلاح في وجه النظام، وبين هذا وذاك ثمة معارضة مستوردة من بقاع العالم، تحت عناوين داعش وجبهة النصرة، ويطمح هؤلاء لبناء نظام إسلاموي، بغض النظر عن الهوية الوطنية، فمع أي معارضة يمكن للأسد في ولايته الثالثة أن يتعامل، وهو يؤسس كما يقول البعض للجمهورية السورية الثانية.
ما يزال الحسم العسكري واحداً من خيارات النظام، خصوصاً بعد "انتصاراته" الأخيرة، لكن المؤكد أن خصومه سيسعون لمنعه من تحقيق هذا الهدف، وإن كان واضحاً أن العالم يتجه وإن بطيئاً، نحو الاعتراف بنتائج الانتخابات التي شجبها ووقف ضدها، فالأمر بات واقعاً، والأسد يمارس ولايته الثالثة، وأولويته التي تحظى بتعاطف العالم هي محاربة الإرهاب، وفيما يُروج البعض أن النظام بصورته الجديدة، يعني دفن جنيف إلى الأبد، وأنّ على اللاعبين جميعاً البحث عن صيغة، للتعايش مع واقع أن الأسد باق في قصر الشعب لسبعة أعوام على أقل تقدير، حتى وإن شككت بعض القوى بصدقية الانتخابات، فإن العالم لا يقف متفرجاً على ما يجري، ويبدو أن الأمم المتحدة ستلعب دوراً في هذا المجال، بعد تراجع فكرة اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي خشية الاصطدام مجدداً بالفيتو الروسي الصيني المزدوج، وأن البديل يتمثل بمشاريع تحظى بالأغلبية، ولا تصل لقرار تعليق عضوية سوريا، وعربياً يبدو أن بعض الدول تفكر جدياً باستئناف علاقتها مع دمشق، ومنها تلك التي سهلت اقتراع السوريين لديها، لكن الأكثر أهمية هو موقف مصر بعد رئاسة السيسي، وهو المحارب الأشرس ضد أسلمة أنظمة المنطقة، باستثناء السعودية طبعاً، التي بدأت تحركاً عاجلاً تمثل في الزيارة المرتقبة لوزير خارجيتها إلى موسكو، لبحث مستقبل سوريا بعد التطورات الناجمة عن تراجع أي توقعات بحدوث تعديل في ميزان القوى، وانصراف اهتمام المجتمع الغربي إلى نتائج عودة "مجاهديه" من سوريا، لاستئناف حربهم المقدسة، ضد من لم يساهم في إسقاط "النظام الكافر" في دمشق.
لن تكون الانتخابات نهاية المطاف، فسوريا مُقبلة على الأصعب، وتحتاج الكثير لتعود إلى وضعها الطبيعي.
لماذا فرز الأصوات؟
[post-views]
نشر في: 6 يونيو, 2014: 09:01 م