TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صورة مع مارلين مونرو

صورة مع مارلين مونرو

نشر في: 6 يونيو, 2014: 09:01 م

يتحول بعض السياسيين والحكام في مرحلة  تاريخية معينة  الى مرايا تعكس لنا صورة عفوية  للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا، فمنذ شهور وصور زعيم إندونيسيا  الراحل احمد سوكارنو  تسرق الأضواء من الانتخابات البرلمانية التي جرت في واحدة من اكبر البلدان الآسيوية،  ففي واحدة من اللفتات الجميلة استعاد الإندونيسيون صفحات منسية من تاريخهم ، حيث اخذوا يعلقون صور زعيمهم السابق الذي اقصي في انقلاب عسكري قادة معاونه سوهارتو، لتدخل بعدها اندونيسيا في مرحلة الدم، وتجتاح البلاد حملة عسكرية ضد الحزب الشيوعي والشيوعية، حيث ، انطلقت حملة اعتقالات طالت قيادات بارزة في الحزب، مع تنفيذ إعدامات سريعة. قبل أن توظَّف ميليشيات مسلحة وعصابات للقيام بحملة اغتيالات في صفوف الحزب ومناصريه، وكل من يتهم بأنّه شيوعي أو متعاطف مع الشيوعية. وبحسب بعض التقديرات الرسمية، تراوح عدد القتلى يومها بين 500 ألف ومليون قتيل في أقل من سنة، ووصل الرقم في بعض التقديرات الأخرى إلى ثلاثة ملايين قتيل من شيوعيين ونقابيين ومثقفين ،
من بين الصور التي يعتز بها الإندونيسيون هذه الايام  صورة سكارنو مع جمال عبد الناصر وأخرى مع عبد الكريم قاسم  حين خرج اهالي بغداد يهتفون للزعيم الشاب " سوكارنو اهلا بيك شعب العراق يحييك" وثالثة مع نهرو ، ورابعة مع قادة الثورة الجزائرية ، وخامسة مع جيفارا ..  لكن الأشهر هي صورته مع  نجمة الإغراء مارلين مونرو ، ويذكر كاتبوا سيرة سوكارنو ان  الرئيس الأمريكي وجه  له عام 1961 دعوة و لزيارة واشنطن، وما ان حط الرئيس الاندنوسي رحاله في العاصمة واشنطن حتى طلب من رئيس التشريفات ان يلتقي بمارلين مونرو قبل ان يزور صاحب البيت الابيض  .
وقبل ان يسألني البعض كيف تسنت لك الكتابة عن مارلين مونرو ونحن نعيش وضعا امنيا وسياسيا مضطربا، فيما اخر سيشتمني حتما ويقول هكذا انتم معشر الكتاب تبحثون عن الاستراحات  وسط  الخراب  وثالث سيكتب حتما: هل نحن في وضع يسمح لنا بمثل هذه "الترهات" ، فالأحداث تطحن الناس كل يوم.. وقبل ان أجيب على هذه الاسئلة دعوني أذكركم ان اندونيسيا خرجت  الى الحرية بعد 32 عاما من الحكم الدكتاتوري وهي عاشت مثل العراق  عقودا من الاستبداد ونهب للثروات ، ولكن ما ان أطيح بالدكتاتور سوهارتو حتى سلكت البلاد طريقها نحو التنمية والبناء  وبدأت  تستعيد عافيتها بفضل ساسة ومسؤولين كان همهم الاول الوطن لا الطائفة، ومستقبل البلاد لا مستقبل الأقارب والأحباب ، والقتال من اجل امن الناس لا من اجل تأمين الكرسي .
وقبل أن أضع مقارنات بين الديمقراطية الإندونيسية التي بدأت  تتفتح قبل خمسة عشر عاما، وبين ديمقراطيتنا العرجاء، أود أولا أن أشير إلى حدث مهم جرى في هذه البلاد قد لا يلتفت إليه ساستنا الكرام ، فعندما أطيح  بسوهارتو تقرر ان يكتب دستور جديد لاندونيسيا ، ومن المفارقات الكبرى ان ساسة البلاد وقع اختيارهم  على فقيه دستوري مسيحي ينتمى إلى أقلية عرقية فى جزيرة سومطرة لرئاسة لجنة صياغة دستور البلاد بعد الثورة.
سيقول البعض انك تهرج، كيف يمكن لبلد اسلامي ان يقبل بدستور يضعه  نصراني، اذا علمنا ان بعض ساستنا "الحجاج" يغسلون ايديهم اذا صافحوا امراة  فكيف  بالمسيحي، ولكن هذه هي الحقيقة ف قد اختار الإندونيسيون القاضي  يعقوب توبنج المنتمى إلى أقلية دينية "المسيحية" والقادم من احد الاقاليم  " جزيرة سومطرة "  ليرأس لجنة  وضع الدستور بعد الثورة الشعبية التى أسقطت سوهارتو عام ١٩٩٨، ومع ذلك لم تقم الدنيا وتقعد، ولم تنطلق صيحات الحفاظ على الهوية الإسلامية ونصرة المذهب  ولم يذهب قادة  الدولة إلى  وصف سكان سومطرة " بالعصاة " وانهم يريدون الاساءة للاسلام  ، ذلك أن الجميع كانوا يضعون نصب أعينهم هدفا واحدا يتمثل فى إقامة دولة عصرية شعارها القانون لادولة القانون ودستورها المواطنة  .
ولأن إندونيسيا لم تعرف تكنولوجيا حنان الفتلاوي لتصنيع العبوات الطائفية ضد من يختلف مع السيد نوري المالكي، ولا دموع صالح المطلك التي يذرفها على الكرسي، فإنها نجحت خلال ١٤ عاما فقط فى أن تكون نموذجا  فريدا من التقدم  والازدهار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو هبة /رسالة الى مراجعنا

    اخي علي حسين ، ان من الإلحاد ونحن مجرد ان نضع سياستنا الطائفيين ونصرة المذهب ، وقتلة الشعب العراقي بقذائفهم الابرياء كما أقدمت قوات المالكي الطائفية يوم ٦/٦/٢٠١٤ على دك حي صدام في نينوى بالقنابل والقذائف ومؤقت أشلاء الاطفال و النساء و الرجال ، وللأسف

  2. منذر سمير

    السلام عليكم : اتمتع واحزن كثيرا حين اقرا ما تكتب سيدي فانت وامثالك من الكتاب والمحللين هو كل مابقي لدينا نحن العراقيين بعد كل هذا الخراب الذي حل بنا ولم اتجرأ يوما على التعليق على ما تكتب لان كتاباتك هو بالضبط مانفكر به الا اني اليوم مضطر للتعليق بسبب ما

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram