قبل أن ينجلي غبار معركة سامراء التي فاجأت الجميع بسرعتها، وفعالية قوات داعش التي دخلت المدينة وسيطرت على بعض أحيائها وشوارعها، ثم انسحبت مخلفة عدداً من القتلى، كانت الموصل على موعد مع غزوة "جهادية" لهذا التنظيم الإرهابي، وهو إن كان في غزوته لسامراء، يزعم أنه استهدف توصيل رسالة تفيد بقدرته على ضرب القوات الحكومية ومن يدعمها من صحوات أينما كان، وخصوصاً في مدينة ظلت تعتبر معقلا للحزب الإسلامي المحسوب على العملية السياسية القائمة، بهدف ترهيب قياداته، دون الرغبة في احتلال المدينة كما يزعمون، وفي تطوير لافت لعملياتهم بالانتقال إلى حرب العصابات، فإن الحقيقة أن النية الواضحة هي الوصول إلى مرقد الإمامين العسكريين، وما سيتبع ذلك من اندلاع حرب طائفية، يبدو أن أكثر من طرف يسعى لإشعال نار فتنتها.
كل عمل ترتكبه داعش ومن هم على شاكلتها من المتطرفين والإرهابيين والظلاميين مدان ومشبوه، غير أن علينا عدم الاكتفاء بالشجب والتنديد ولا حتى بالقتال ضدها، بقدر ما يوجب الأمر مراجعة دقيقة وفاحصة لما يحصل في العراق على يدها، وستكون النتيجة حتماً هي التوصل إلى الكثير من الحقائق، التي يجب تسليط الضوء عليها، لتفادي تكرار هكذا جرائم بحق المواطنين الأبرياء، وأبرزها عدم صدقية كل ما تعلنه حكومة السيد المالكي من انتصارات ضد هذا التنظيم، والزعم أنه بات قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة الشاملة الساحقة الماحقة، التي لا تبقي ولا تذر.
وحقيقة ثانية تتعلق بقدرة داعش، مع التذكير بعملية فرار قادتها المشبوهة من سجن أبو غريب، على اجتياح مدينتين في ظرف 24 ساعة، وأن يكون ذلك مفاجئاً للجميع، بمن فيهم الأجهزة الاستخبارية، ما يدفع للشك بوجود أطراف متواطئة في هذه الأجهزة، أو أنها تغض الطرف عن معلومات كان يمكن للتعاطي المهني والوطني معها أن تمنع اختراقات كبيرة كهذه، فكيف والحال أن المدينتين المستهدفتين محسوبتان على المكون السني، الذي تزعم داعش أنها تدافع عن حقوقه وتسعى لمنع تهميشه، وتدعي أنها تستهدف المكون الشيعي لمنع تسلط قياداته على مقدرات الوطن، وأن مجتمع السنة حاضن لنشاطاتها وقياداتها، لقناعته بفكرها المشبوه والمدان دينياً وأخلاقياً ووطنياً.
كانت معركة سامراء نقلة نوعية في عمليات داعش، من حيث كونها تستدرج قوات الجيش إلى معارك جانبية، تحظى بأبعاد إعلامية تغطي أو تكاد على ما يجري في الأنبار بشكل عام والفلوجة على وجه الخصوص، وليس صحيحاً الزعم بأنها استهدفت دفع أهالي سامراء لحمل السلاح والدفاع عن دينهم، أو بالأحرى مذهبهم حيث تتم استمالة أهل المدينة من السنة عبر إغرائهم بالأموال والمناصب للتحول إلى المذهب الشيعي، وأن الهدف تمثل بردع ضعاف النفوس بعيدا عن "لاإكراه في الدين"، وإذا أخذنا بعين الاعتبار رمزية سامراء التي يتحدر منها أمير داعش أبو بكر البغدادي، لكونها تضم مقام الإمامين العسكريين، يمكن اكتشاف قدرة هذا التظيم على توسيع مناطق الصراع، ونقل المعركة إلى حيث يشاء بعمليات منظمة، تؤكد طبيعتها أن قادة عسكريين من ضباط جيش صدام ينخرطون فيها بكل خبراتهم، ما يمنع عن هذه الهجمات صفة العشوائية المحكومة بالمزاجية أو الدوافع القبلية والمناطقية.
لن تنتصر داعش في العراق، ليس لأن حكومة المالكي تحاربها من نفس المنطلقات الطائفية، وإنما لكون المجتمع العراقي بعيداً في النهاية عن كل هذا التطرف المصبوغ دينياً لتحقيق أهداف سياسية وحزبية وشخصية لا تخفي على أي عاقل.
من الفلوجة إلى سامراء والموصل
[post-views]
نشر في: 7 يونيو, 2014: 09:01 م