TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراقي يستغيث

العراقي يستغيث

نشر في: 8 يونيو, 2014: 09:01 م

العراقي يقرر، وينتصر وينتخب ، وغيرها من الشعارات المنتشرة في الشوارع العامة ، والراسخة في أذهان الساسة وبرامجهم ، وخاصة لدى المشاركين في الحكومة الحالية ، والراغبين في البقاء بمناصبهم في الدورة الجديدة لتحقيق وعودهم في بسط الأمن ، وطرد الإرهابيين من الأراضي العراقية ، أصحاب الشعارات لم يسمعوا بعد استغاثة العراقي في تحسين الأوضاع الأمنية وإيقاف مسلسل نزف الدم.
"العراقي يستغيث " شعار مرفوع منذ اكثر من عشر سنوات ، وأصحاب القرار يطلقون الوعود ويراهنون على عقد المؤتمرات ، ومشروع المصالحة الوطنية ، وفضائياتهم على مدار الساعة تعلن تطهير مدن في محافظات الأنبار ، ونينوى وصلاح الدين وديالى من الإرهابيين عناصر تنظيم داعش ، وتدعو المواطنين إلى الاحتفال بتحقيق النصر ودحر مخططات الأعداء التآمرية.
الحديث عن سوء إدارة الملف الأمني وتطهير الأجهزة الأمنية وتفعيل الجهد الاستخباري تتبناه عادة الأطراف المعترضة على الأداء الحكومي ، أما الطرف الآخر من أصحاب الاتهامات الجاهزة فيشخصون الخلل بالصراع السياسي وانعكاس تداعياته على حفظ الأمن ، وواقع الحال يشير إلى ان الطرفين يمارسان لعبة جر الحبل وليس فيهم من يستجيب لنداء العراقيين واستغاثتهم أو في الأقل يجيب عن سؤال أين الخلل في تدهور الأوضاع الأمنية ، وسط اتساع عناصر الجماعات المسلحة وتغيير أساليب عملها ، والمصيبة أنها استخدمت معدات وأسلحة حديثة ، والقادة الأمنيون يتحدثون على الروح المعنوية العالية ، ودور الإيمان والعقيدة في حسم المعركة ، والعراقي يعلق آماله على مؤسسته العسكرية لإسدال الستار على فصول مأساته .
ليس من المعقول إطلاقا ان يطلب العراقيون الرحمة من القتلة ، ومن المستحيل ان يستجيب عتاة المجرمين لدعوات الحفاظ على السلم الأهلي والتخلي عن القتل على الهوية ،وفي ظل تراجع الأوضاع الأمنية ، برز الشعور بالإحباط في بلد الاضطراب السياسي ، والمراهنة على عقد المؤتمرات وتوقيع وثائق الشرف باتت غير مجدية، والحديث عن بلورة موقف سياسي موحد ضد الإرهاب اصبح بعيد المنال .
في زمن انتشار الصرايف في اطراف العاصمة بغداد لطالما شكا سكانها من نشاط الحرامية ، وكانت المسروقات في اغلب الأحيان لحاف أبو النفرين وطشت صفر ودشداشة من نوع البازة ، وملابس داخلية رجالية خام الشام ، ولتكرار السرقات ، توجه وفد إلى اقرب مركز للشرطة ، مطالبين بحمايتهم من الغزو الليلي ، ولكن الضابط المسؤول في المركز رفض الطلب ، وقال لهم بان" الحرامي منكم وبيكم " وليس من مسؤولية الأجهزة الأمنية البحث عن" اللحف المسروقة ولبسان خام الشام علامة الجمل الأزرق" ، فعاد الرجال نادمين ، وقد برزت ملامح الخيبة على وجوههم ، فقال كبيرهم ،"إخوتي النشامة الليلة نسهر للصبح ونحمي صرايفنا من الحرامية ".
وفي تلك الليلة لم تشهد الصرايف حالة سرقة ، نتيجة تضافر جهود الرجال ، وتوحيد موقفهم في ملاحقة الحرامية والحد من نشاطهم.
اليوم العراقي يستغيث ، واستغاثته موجهة لأصحاب الشعارات ، ذوي الادعاءات والمزاعم بان مشاركتهم في الحكومة الجديدة تعني استتباب الأمن والحفاظ على جميع ممتلكات العراقي من علامة الجمل الأزرق .

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عادل زينل

    مقاربة ومقارنة آسرة وخيال ساخر يستطيع تطويع اللغة بسلاسة بارعة دمت يا علاء

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram