العراقي يقرر، وينتصر وينتخب ، وغيرها من الشعارات المنتشرة في الشوارع العامة ، والراسخة في أذهان الساسة وبرامجهم ، وخاصة لدى المشاركين في الحكومة الحالية ، والراغبين في البقاء بمناصبهم في الدورة الجديدة لتحقيق وعودهم في بسط الأمن ، وطرد الإرهابيين من الأراضي العراقية ، أصحاب الشعارات لم يسمعوا بعد استغاثة العراقي في تحسين الأوضاع الأمنية وإيقاف مسلسل نزف الدم.
"العراقي يستغيث " شعار مرفوع منذ اكثر من عشر سنوات ، وأصحاب القرار يطلقون الوعود ويراهنون على عقد المؤتمرات ، ومشروع المصالحة الوطنية ، وفضائياتهم على مدار الساعة تعلن تطهير مدن في محافظات الأنبار ، ونينوى وصلاح الدين وديالى من الإرهابيين عناصر تنظيم داعش ، وتدعو المواطنين إلى الاحتفال بتحقيق النصر ودحر مخططات الأعداء التآمرية.
الحديث عن سوء إدارة الملف الأمني وتطهير الأجهزة الأمنية وتفعيل الجهد الاستخباري تتبناه عادة الأطراف المعترضة على الأداء الحكومي ، أما الطرف الآخر من أصحاب الاتهامات الجاهزة فيشخصون الخلل بالصراع السياسي وانعكاس تداعياته على حفظ الأمن ، وواقع الحال يشير إلى ان الطرفين يمارسان لعبة جر الحبل وليس فيهم من يستجيب لنداء العراقيين واستغاثتهم أو في الأقل يجيب عن سؤال أين الخلل في تدهور الأوضاع الأمنية ، وسط اتساع عناصر الجماعات المسلحة وتغيير أساليب عملها ، والمصيبة أنها استخدمت معدات وأسلحة حديثة ، والقادة الأمنيون يتحدثون على الروح المعنوية العالية ، ودور الإيمان والعقيدة في حسم المعركة ، والعراقي يعلق آماله على مؤسسته العسكرية لإسدال الستار على فصول مأساته .
ليس من المعقول إطلاقا ان يطلب العراقيون الرحمة من القتلة ، ومن المستحيل ان يستجيب عتاة المجرمين لدعوات الحفاظ على السلم الأهلي والتخلي عن القتل على الهوية ،وفي ظل تراجع الأوضاع الأمنية ، برز الشعور بالإحباط في بلد الاضطراب السياسي ، والمراهنة على عقد المؤتمرات وتوقيع وثائق الشرف باتت غير مجدية، والحديث عن بلورة موقف سياسي موحد ضد الإرهاب اصبح بعيد المنال .
في زمن انتشار الصرايف في اطراف العاصمة بغداد لطالما شكا سكانها من نشاط الحرامية ، وكانت المسروقات في اغلب الأحيان لحاف أبو النفرين وطشت صفر ودشداشة من نوع البازة ، وملابس داخلية رجالية خام الشام ، ولتكرار السرقات ، توجه وفد إلى اقرب مركز للشرطة ، مطالبين بحمايتهم من الغزو الليلي ، ولكن الضابط المسؤول في المركز رفض الطلب ، وقال لهم بان" الحرامي منكم وبيكم " وليس من مسؤولية الأجهزة الأمنية البحث عن" اللحف المسروقة ولبسان خام الشام علامة الجمل الأزرق" ، فعاد الرجال نادمين ، وقد برزت ملامح الخيبة على وجوههم ، فقال كبيرهم ،"إخوتي النشامة الليلة نسهر للصبح ونحمي صرايفنا من الحرامية ".
وفي تلك الليلة لم تشهد الصرايف حالة سرقة ، نتيجة تضافر جهود الرجال ، وتوحيد موقفهم في ملاحقة الحرامية والحد من نشاطهم.
اليوم العراقي يستغيث ، واستغاثته موجهة لأصحاب الشعارات ، ذوي الادعاءات والمزاعم بان مشاركتهم في الحكومة الجديدة تعني استتباب الأمن والحفاظ على جميع ممتلكات العراقي من علامة الجمل الأزرق .
جميع التعليقات 1
عادل زينل
مقاربة ومقارنة آسرة وخيال ساخر يستطيع تطويع اللغة بسلاسة بارعة دمت يا علاء