استعير عنوان رواية شهيرة للكاتب المصري يوسف القعيد "يحدث في مصر الآن" لأجيب على رسالة وصلتني من أستاذة وزميلة في مجال الإعلام تقول فيها: "أرجوك دقق جيدا بشخصيات ووجوه قضاة مصر في حفل تنصيب السيسي وقارنها بوجوه وشخصيات نعيش معها سواء قضاة او سياسيين" ، منذ ايام وانا اقرأ تعليقات في الفيسبوك حول كلمة المستشار عدلي منصور التي وجهها للشعب المصري، واصغي لتساؤلات البعض حول عجز دولة بحجم العراق عن أن يتقدم للمشهد السياسي رجال بحجم منصور او صباحي وغيرهم من الأسماء التي يتداولها المواطن المصري البسيط هذه الأيام، فيما المراقب للمشهد السياسي العراقي يكتشف أننا دخلنا جميعا في المجهول، والسبب لأن لدينا سياسيين لا يملكون الحد الأدنى من القدرة على ترجمة طموح الناس بدولة ذات مؤسسات قادرة على إدارة البلاد.. ينظر المواطن العراقي إلى متصدري واجهات المسؤولية والسلطة.. يتمعن في ملامحهم.. إنهم متجهمون.. يعتبرون أنفسهم في مهمة مقدسة، تستحق من الشعب السمع والطاعة.. بينما الكثير منهم في الحقيقة فاشلون.. يعيشون في الخيال الذي يصور لهم أن "التجهم" وتقطيب الوجه والخطابات النارية، هي التي ستحل مشاكل الناس.. حتى أننا وجدنا رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، حين أراد أن يثبت أنّ له قدرة على إدارة البلاد، تصور أنّ هذا يعني التلويح بالأصابع، وإظهار الشراسة من خلال تقطيب الوجه.. رغم أن ألف باء إدارة البلاد هو في تحرير الكفاءات ومنحها فرصة المشاركة في البناء.. اليوم حين يجد المواطن العراقي ساسة مصر ممن قادوا ثورة التغيير يترفعون عن المناصب من اجل إفساح المجال أمام أهل الخبرة والكفاءة، يتحسر على احد عشر عاما من ديمقراطية عرجاء، لم يترك له الخيار فيها سوى المقارنة بين الفاسد والاكثر فساداً .. فيما مؤسسات الدولة امتلأت بأناس عطلوا كل الخبرات.. وأبعدوا أصحاب الكفاءة من أجل إفساح المجال لأهل الثقة والعشيرة والمذهب والحزب.. الموضوع في مصر لم يكن منافسة سياسية، وإنما كيف تستطيع أن توظف السياسة لخدمة الناس.. وهذا ما لم نره بعد أكثر من 10 سنوات من حكم أصحاب الوجوه المتجهمة.
في كل دول العالم يسبق المسؤول، مستشاروه. فيما المسؤول العراقي يصل من "الحزب والعشيرة" وهو يدّعي ختمه لعلوم الأرض والسماء. ويعتقد أن التفويض الذي منحته له الناس في صناديق الاقتراع، يسمح له أن يتجاهل معايير الكفاءة، وأن يكون الانتماء الحزبي وحده هو معيار اختيار رجال الدولة، فنجده يختار المنتمي لحزبه أولاً، ثم المنتمي لعشيرته، ثم المنتمي إلى الأحزاب المؤيدة له، وهو ما حذر منه مهاتير محمد باني ماليزيا الحديثة حين قال: "قد لا تنتج الانتخابات وصول أفضل المرشحين إلى السلطة، من الممكن للرشوة والخداع باسم الدين والمحسوبية أن تأتي بالنصر لأقل المرشحين أهليةً لقيادة الدولة... فنرى كيف يطلق حزب حملته خلال صلاة الجمعة الجامعة ويهدد بمكبرات الصوت بكراهية الذين يعارضونه.. من أجل أن تدلي الناس بأصواتها لمن ليس لديه القدرة على القيادة ولكن لمن هم محتالون بدرجة تكفي لخداع الناس."
جميعنا يتذكر نصيحة المالكي لقادة مصر التي اعلن فيها آنذاك أن الديمقراطية العراقية يمكنها أن تكون هاديا ومرشدا للأشقاء في مصر، وأن هناك الكثير من الممكن للقاهرة أن تتعلمه من الخبرة البغدادية في السياسة وطرق الحكم.
وقبل أن أضع مقارنات بين الديمقراطية العراقية الراسخة، وبين ديمقراطية مصر العرجاء، أود أولا أن أعيد الى مسامعكم جزء من خطاب المستشار عدلي منصور وفيه وصايا للسيسي لخصها بهذه الجملة البليغة "أَقولُ لَهُ أَحْسِنْ اِخْتِيارَ مُعَاونِيكَ.. فَهُمْ سَنَدُكَ ومُعِينُوكَ عَلَى مَا سَيُواجِهُكَ مِنْ مُشكِلاتٍ دَاخِليَّةٍ صَعبَةٍ.. ووَضعٍ إقلِيمِيٍ مُضطَــرِبٍ .. ووَاقِعٍ دُوَلِيٍ لا يَعرِفُ سِوَى لُغَةِ الْقُوَّةِ والْمَصالِحِ.. وتَقتَضِي الْأَمانَةُ أنْ أُحَذِّرَ مِنْ جَمَاعَاتِ الْمَصالِحِ.. الَّتِي تَوَدُّ أنْ تَستَغِلَّ الْمُناخَ السِّياسِيَّ الْجَديدَ لِطَمْسِ الْحَقائقِ.. وغَسْلِ السُّمعَةِ .. وخَلْقِ عَالَمٍ مِنَ الاِسْتِفادَةِ الْجَشِعَةِ.. يُمَكِّنُ هَذِه الْفِئاتِ مِنِ اسْتِعادَةِ أَيَّامٍ مَضَتْ.. يَوَدُّ الشَّعبُ الْمِصرِيُّ ألَّا تَعودَ أبداً".
وانا وانتم نشاهد ما يحدث في مصر الآن نتحسر على حالنا ونحن نسمع أهازيج عالية نصيف وصرخات عباس البياتي وغيرهم من الذين لا يريدون لنا أن ندخل مثل سائر البشر، عصر الحياة والرفاهية، والخروج من ذل الخوف وفقدان الأمن والأمان.. يا عزيزتي صاحبة "الحذاء المليوني" الناس تريد أن تقرأ أرقام النمو ومعدلات التنمية والرفاهية، فقد ملـُّوا من أرقام الموت وخرائط الفقـر والفساد.
يحدث في مصر الآن
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
محمدسعيد
مفارقه غريبه , حينما ادخلت نفسك يا اخي الكاتب في نفق مظلم ,و سعيت في ايراد مقارنه العراق مع مصر خصوصا فيما يتعلق يسلوكيه وتصرقات النخب السياسيه . مصر يااخي الكاتب دوله عريقه تمكنت عبر تاريخها الطويل ان تتشكل فيها موسسات سياسيه تقاد من طبقه مهن
ابو اثير
أستاذنا الكريم..أمس وفي حفل تنصيب الرئيس السيسي رئيس للشقيقة مصر متمنين للشعب المصري الشقيق السلام والتقدم والخير .. وفي هذه المناسبة جلس ملايين العراقيين يشاهدون ويراقبون مراسيم تسلم السلطة من رئيس مؤقت لرئيس منتخب وبحضور شخصيات ورؤوساء دول وملوك ومممثلي