يقف المراقب حائراً أمام سيل التصريحات المُتناقضة، الصادرة عن المسؤولين الأميركيين، السابقين منهم والحاليين، تجاه قضايا منطقتنا على وجه الخصوص، فوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، تؤكد أنها كانت راغبة بتسليح المعارضة في سوريا منذ بدء النزاع، لقناعتها بأن تسليح وتأهيل مقاتلي المعارضة، هو أفضل الحلول للتصدي لقوات الأسد، لكن الرئيس أوباما عارض هذا الخيار، لميله لإبقاء الأشياء على حالها، وليس الذهاب أبعد من خلال تسليح المُعارضة.
قرار التسليح بأسلحة فتاكة، والذي اتخذه أوباما مؤخراً، يأتي متأخراً جداً، وستبحث الاستخبارات الأميركية كثيراً في الساحة السورية الملتهبة، علّها تجد بعض "المعتدلين"، بعد أن سيطر المتطرفون من الداعشيين وجبهويي النصرة على قرار المعارضة المسلحة، وهم يتنافسون اليوم على من تكون له الأولوية، ومن يكون صاحب القرار، في حين تُحرز قوات النظام التقدم يومياً وباضطراد، ولعل صحوة واشنطن ليست أكثر من رد فعل باهت، وفاقد للتأثير على التطورات الأخيرة ميدانياً وسياسياً، حيث تجد نفسها مُجبرة على التعامل مع "الرئيس الأسد" لسبع سنوات قادمات.
يزعم أكثر الرؤساء الأميركيين تردداً، أنه سيزيد دعم المعارضين السوريين، "الذين يقدمون أفضل بديل عن الإرهابيين وعن ديكتاتور وحشي"، وتتردد أنباء أنه سيسمح للبنتاغون بتدريب معارضين مسلحين من المعتدلين، لا يعني ذلك غير إطالة أمد الصراع في سوريا، مع منحه أفضل الفرص للتمدد خارج جغرافيا الدولة السورية، ولنا في المعارك التي تخوضها داعش ضد الحكومة العراقية، الداعمة للنظام السوري، خير دليل على إمكانية ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار أن دول الجوار متخمة باللاجئين السوريين، وبدأ بعضها بالحد من اندفاعته، بتأييد مناوئي حكام دمشق، حتى أن تركيا وضعت بعض معارضي الأسد على لائحة الإرهاب، وكذلك فعلت السعودية، بينما يظل الموقف القطري غائماً ومثقلاً بضباب خيار المضي في دعم الإخوان المسلمين.
لن تقف طهران وموسكو مكتوفتي الأيدي، إذا نفذ أوباما وعده الأخير، وستفتحان أبواب مخازنهما لتلبية متطلبات الجيش السوري، ومنحه القدرة على تنفيذ استراتيجية الحسم العسكري، وهي استراتيجية بدأت منذ اللحظة الأولى للأزمة السورية، ولن تتوقف، وهي تعتمد على أن ما يجري في بلاد الشام حرب على الإرهاب والتكفيريين الطائفيين، ولن يتوقف سيل المقاتلين الداعمين للأسد، والمتدفق من العراق وإيران ولبنان، على خلفية طائفية صبغت بلونها المقيت الأحداث في بلاد الشام، كما أن داعمي المعارضات من الدول الإقليمية، وجدت نفسها تدور في حلقة مُفرغة، وتتعاطى مع مجموعات مختلفة الأهداف ومتباينة التطلعات، وكل واحدة منها مستعدة لنهش لحم الآخرين.
إطالة أمد الصراع في سوريا مطلب إسرائيلي بامتياز، بغض النظر عن الفائز فيه، فالكل خاسرون، وأكبر الخاسرين هو المواطن السوري، الذي يدفع من دمه ومستقبل أجياله أثمان صراع بات دولياً، حيث تتغلب المصالح على المبادئ، وتجري الصفقات القذرة تحت الطاولة، وليس بعيداً أن تعترف واشنطن بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية، في مقايضة لاعتراف موسكو بنتائج الانتخابات الأوكرانية، وينسى الجميع قصة الأسلحة الفتاكة، التي وعد أوباما بها، وهو الأقدر على لحس الوعود، والتراجع عن القرارات التي بدت حين التلويح بها شديدة الأهمية.
سيطول زمن الصراع في سوريا وعليها، بغض النظر عن فوز الأسد بولاية ثالثة، أو بسبب ذلك، ولن يكون قرار أوباما أكثر من لبنة في مدماك الصراع، وضرره أكثر من نفعه.
أي معتدلين سوريين تسلحهم واشنطن؟
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2014: 09:01 م