الهوس الذي يُصيب الأمريكيين من أخبار نهايات العالم واندثار كوكبنا الأرض يخلق عند علمائهم الرغبة في إيجاد البديل، حيث يجري الحديث اليوم عن طاقة بديلة وغذاء بديل وبيئة بديلة، بل وحتى كوكب بديل تعمل على تطويره كلية العلوم في جامعة أريزونا، يُسمّى بالكوك
الهوس الذي يُصيب الأمريكيين من أخبار نهايات العالم واندثار كوكبنا الأرض يخلق عند علمائهم الرغبة في إيجاد البديل، حيث يجري الحديث اليوم عن طاقة بديلة وغذاء بديل وبيئة بديلة، بل وحتى كوكب بديل تعمل على تطويره كلية العلوم في جامعة أريزونا، يُسمّى بالكوكب البايولوجي Biosphere.
أنشأ عالم البيئة الأمريكي جون ألن مشروع الكوكب البايولوجي في مدينة توسان جنوبي ولاية أريزونا عام ١٩٨٥ بدعم من إحدى المؤسسات البحثية الأمريكية ووصل حجم الاستثمار الأولي فيه الى ٢٠٠ مليون دولار قبل ان تشتري المشروع برمته جامعة أريزونا وتضمه الى مختبرات كلية العلوم فيها عام ٢٠١١.
بُني المشروع على ارض مساحتها ١.٢٧ هكتار مغطاة بزجاج يصل ارتفاعه الى ١٢٠٠ متر، لا يسمح بنفاذ الهواء من أو الى داخل المشروع إطلاقاً، لكنه يسمح بمرور ضوء الشمس، اما في داخل ذلك الزجاج فيوجد نهر اصطناعي فيه عدد من الاسماك والحيوانات البحرية الأخرى مع طيور وأشجار ونباتات فضلاً عن بيئة خضراء على شكل غابة استوائية كثيفة تحافظ على توازن ثاني أوكسيد الكاربون والأوكسجين داخل كرة الزجاج تلك، كانت الأمطار تسقط فيها بشكل اصطناعي ايضاً بآلية تصنع الغيوم من الهواء الموجود في الداخل، كل شيء متقن ومسيطر عليه بأجهزة علمية متطورة وكومبيوترات تراقب كل صغيرة وكبيرة تقع داخل هذا العالم الزجاجي الغريب!
تم تصميم المشروع كتجربة بايولوجية لصناعة الحياة داخل حيز معزول عن العالم الخارجي، وهي محاولة لخلق ما يشبه الكوكب الاصطناعي المعتمد على مقومات الحياة الأولية في فضاء لا توجد فيه حياة، ناهيك عن انها في الأصل مؤسسة علمية ومختبر كبير تجرى فيها أبحاث مختلفة حول البيئة والزراعة والفضاء وغيرها من العلوم.
في عام ١٩٩١، تطوّع ثمانية أشخاص من مختلف المهن والصنوف، أربعة رجال وأربع نساء، وقرروا ان يعيشوا في الكوكب البايولوجي مدة سنتين متتاليتين وهي مدة التجربة التي حددتها إدارة المشروع من دون ان يتصلوا بالعالم الخارجي. عاشوا فيه معزولين عن العالم ومعتمدين على أنفسهم في زراعة ما ينبغي أن يأكلوا، لا طعام ولا ماء ولا حتى أوكسجين خارجي. فماؤهم كانت فضلاتهم الصلبة والسائلة بعد ان يعاد تدويرها بأجهزة تصفية خاصة وُضِعَت أسفل المكان، وطعامهم ذلك الزرع الذي يحرصون على نموّه، اما الاوكسجين فكانت النباتات هي مَن توفره لهم بعد ان تأخذ ثاني أوكسيد الكاربون منهم وتحوّله الى اوكسجين في عملية التركيب الضوئي المعروفة وبمساعدة الضوء. توازن ومقايضة عادلة جرى الترتيب لها بدقة إذ لا يحتاج الإنسان الى العالم الخارجي ما دام معه نبات يصنع له الأوكسجين مقابل ثاني أوكسيد الكاربون الذي يزفره.
انتهت التجربة عام ١٩٩٣ بنجاح ملحوظ وفُتِحَت الابواب التي كانت مغلقة لسنتين متتاليتين بعد ان نجوا هؤلاء الثمانية في تلكالبيئة المنفصلة تماماً عن العالم. لا شيء غريب سوى بعض التصرفات المريبة التي لاحظها المراقبون، فثمّة علامات سايكولوجية بدأت تظهر على سلوك المتطوعين الثمانية وهم داخل الكوكب الزجاجي. لقد بدأت تصرفاتهم وكحالة ملازمة للطبيعة البشرية المحبوسة تميل الى شيء من العنف او الرفض للواقع الزجاجي الذي يعيشون فيه. بدأوا يتذمرون ويعبثون ببنية النظام البيئي الذي عاشوا فيه. خربوا بعض الاشجار وقطعوا بعض النبتات من هنا وهناك، لا لشيء على ما يبدو سوى للتسلية وقتل الملل. لم يكفهم هذا بل اكلوا كل الاسماك الموجودة في النهر. اكلوا حتى الاخطبوط الوحيد الذي وضعه المهندسون في ذلك النهر. كانوا بحاجة على ما يبدو الى البروتين الحيواني فدفعهم الجنون الى التهام الطيور والأخطبوط والحشرات وكل ما له روح. تلك هي السلبية الوحيدة التي حصلت في التجربة وعداها كانت خلاصة قوية استنتجها العلماء من ان صنع الحياة ممكنٌ في الفضاء وتحديداً في كواكبنا الشمسية إذا استطعنا بناء مثل هذا المشروع الزجاجي الضخم فيها.
كل ما نحتاج اليه في البداية هو الماء والنبات وبعض الحيوانات الأليفة مع مجموعة من البشر تدفعهم روح المغامرة والشهرة ان يكونوا الآباء المؤسسين للحياة في الفضاء، فهل ثمّة متطوع يصنع لنا أملاً بحياةٍ بديلة؟ لست أنا بالتأكيد.