يقال إن "أريحية" السياسي وقدرته على احتواء خصومه أحد أبرز أسباب نجاحه وتحقيق أهدافه وتتمثل "الأريحية" برسم ابتسامة عريضة على الوجه ، والمشاركة في فعاليات شعبية ، وحضور نشاطات ثقافية ، ومباريات كرة القدم ، وهذا التوجه لا يعرفه الساسة العراقيون ، فمعظمهم يظهر على شاشة التلفاز وهو يضع قناع الجينكو على وجهه ، وكانه خرج قبل دقائق من معركة استخدمت فيها "الكركات والمكاوير".
الأوضاع السياسية في العراق ، وتزامنا مع التحضير للدخول في أشواط تفاوضية لتشكيل الحكومة الجديدة بحاجة إلى تلطيف الأجواء ، وتقارب وجهات النظر ثم توحيد المواقف وحسم الخلافات واجتثاثها، لغلق الملفات الشائكة وخاصة المتعلقة بتحقيق مبدأ الشراكة في إدارة البلاد ، وفرص الاتفاق حاضرة باعتماد "الأريحية " وعندما تكون المصالح الوطنية فوق كل اعتبار، ولكن بوجود نزعات التسلط والاستعلاء والاستحواذ ،سيبدد العراقيون أعمارهم بانتظار الفرج في بناء دولة مدنية يسودها القانون ، ويحكمها دستور خال من الألغام وبراميل البارود.
التمسك بالدستور موقف تبنته جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية ، ولكن التصريحات في مواسم الأزمات وهي طويلة في العراق ، تأخذ في اغلب الأحيان طابع الاتهامات المتبادلة بين الشركاء ، فتعطل العمل بالدستور خشية انفجار براميل البارود ،أو نتيجة التفسير الخاطئ المقصود لبعض مواده ، ولربما لتحقيق مكاسب لفئة على حساب أخرى ، وعلى مدى السنوات الماضية وبغياب أريحية السياسي تفاقمت الأزمات ،وتدهورت الأوضاع ، لان دعاة التمسك بالدستور أصابهم الفتور ، ولجنة تعديلاته في مجلس النواب ، لم تنجز عملها بعد بمرور دورتين تشريعيتين .
السياسي العراقي سواء من شغل منصبا حكوميا أو تفرغ لقيادة تنظيمه ، ورث من أسلافه حب المديح والشعور بالارتياح والفخر عند سماعه هتاف وتصفيق الجماهير ، وتلقيه يوميا برقيات تجديد البيعة والولاء ، وبعض القادة وتعبيرا عن ارتباطه الصميمي بقواعده الشعبية ، استعان ببعض الشعراء والرواديد لنظم قصائد المديح والأهازيج ، وسخر فضائيته للمداحين ، والممدوح من موقعه ، وفي لحظة الشعور بلذة الاستمتاع بالمديح يستعيد قول الخلفاء والأمراء " أعطوه ألف درهم" ، وينفذ الأمر على الفور بخبر عاجل اسفل الشاشة ، وهذا الموقف هو شكل آخر للأريحية ولكن على نطاق محدود ، لا يخدم المصالح الوطنية .
تعطيل تعديل المواد الدستورية وباعتراف الساسة وكبار المسؤولين احد أسباب اضطراب المشهد السياسي العراقي ، وعند مراجعة تصريحاتهم يتوصل المتابع إلى حقيقة وجود نفق مظلم ، الأمر الذي يعني ان الشركاء بأمس الحاجة إلى "أريحية" والتخلي عن ارتداء أقنعة الوجوه المتجهمة ، تمهيدا لإثبات الجدية في تجاوز الأزمات ، وتذليل العقبات التي تعترض مسار التفاوض لتشكيل الحكومة الجديدة ، وعبور النفق على إيقاع قصائد المديح، لأنها السبيل الوحيد لحث الساسة على نبذ خلافاتهم ، ثم التوجه لخدمة مصالح شعبهم انطلاقا من إيمانهم بمبادئ أحزابهم ومعظمها دينية تعرف الحلال والحرام وتسعى لتحقيق العدالة والمساواة . واضحك تضحك لك الدنيا يا طويل العمر.
أريحية الساسة
[post-views]
نشر في: 9 يونيو, 2014: 09:01 م