TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فيسبوك شيعي وتويتر سني

فيسبوك شيعي وتويتر سني

نشر في: 9 يونيو, 2014: 09:01 م

يتشاطر البعض ممن وجدوا في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وفي شقيقه "تويتر" فسحة لإظهار مواهبهم الطائفية، على تصوير الأزمة العراقية على أنها معركة بين سنة الموصل وشيعة ميسان، او هي حرب بين معسكر الامام علي " ع " من جانب وأعدائهم معسكر يزيد من جانب آخر، وهي النظرية التي اراد ان يرسخها السيد نوري المالكي في اذهان البسطاء من الناس، واذا كان طائفيو الفيسبوك مساكين لا يفرقون بين اهلنا البسطاء في الموصل والانبار ، وبين العصابات الارهابية، فان حرب الطوائف بالنسبة لساستنا "الأجلاء" تعد شطارة استطاعوا من خلالها الحصول على المنافع والمناصب والامتيازات، كما انها انتجت لنا في النهاية برلمانا طائفيا وحكومة محاصصة مقيتة، وكان ظهور أمراء الطوائف بوجوههم الكالحة أول خرق للتنوع الديني والاجتماعي والثقافي الذي امتاز به العراق على مـرّ عصوره.
يوم أرسل الأمير فيصل الذي أصبح في ما بعد ملكاً على العراق رسالته الشهيرة إلى عدد من الشخصيات السياسية العراقية يسألهم فيها: ما نوع الدولة التي يرغب العراقيون بإقامتها؟ وهل هم متحمسون لدولة يقودها نظام برلماني مدني أم إلى دولة يحكمها ملك من خلال الشريعة الإسلامية؟ ويفاجئنا الجواب الذي اتفق عليه معظم الساسة آنذاك وهو ان الجميع متفقون على إقامة دولة مدنية قوامها المساواة بين جميع الطوائف.
كان هذا سنة 1917، وكان العراق آنذاك نموذجاً للدولة المقبلة على الحرية، نوابه ووزراؤه من نخبة الناس، عاصمته تزدهر فيها الثقافات والتجارة والمدارس وتبنى فيه الجامعات، وكان فيها رجل معمم من عائلة شيعية معروفة مثل جعفر أبو تمن حين يقرر ان يؤسس حزبا ديمقراطيا، يذهب اختياره إلى سياسي لا ينتمي إلى طائفته وأعني به الشخصية الوطنية المعروفة كامل الجادرجي.. في ذلك الوقت يكتب أبو التمن "الطائفية داء ومن عمل بها سحقته عجلة العراق الجديد" آنذاك يعلو صوت الشيخ علي الشرقي ضد الطائفية وأساليبها الخبيثة، كاشفاً زيف دعوات البعض بأبيات من الشعر ذهبت مثلا آنذاك:
انظر إلى سبحته... ترى الذي أقول لك
شيطانه كخيطها... بين الثقوب قد سلك
كان هذا عراق العشرينات حين وضع العراقيون على اختلاف دياناتهم عقداً اجتماعياً في ما بينهم يحقق مصالح الجميع ويدافع عنه الجميع.
أسرد هذه الشواهد لأثبت لـ " مساكين الفيسبوك " و" شياطين " تويتر أن الحكاية في العراق ليست صراعاً مذهبياً مثلما يحاول منتفعو السلطة تصويرها للعالم، لأن رموز الطائفية السياسية دأبوا منذ اللحظات الأولى على استخدام سلاحهم الأثير في إيهام الرأي العام بأنهم يدافعون عن مظلومية طوائفهم، فيما المعركة كانت بالأساس معركة اقتسام الغنائم، وخطف الوطن، وإعلاء المصالح الشخصية على حساب مصالح الناس، وترسيخ قيم المنفعة والاستحواذ والانتهازية..
كم ضحية قُتلت بسبب خطب أمثال العلواني والفتلاوي.. لماذا لا يرى "ابطال" الفيسبوك أن الخطر الحقيقي الذي يواجه الشيعة كما يواجه السُّنة، هم سياسيو الصدفة الذين عاثوا فساداً في البلاد؟ نعم الشيعة في خطر مثلما البلاد في خطر كبير، ولكن السبب الرئيسي لا يقتصر على الارهاب الذي فشلنا للاسف في مواجهته، وإنما السبب الاكبر سياسيو الطوائف الذين سرقوا أحلام وآمال الناس ومعها ثرواتهم وأمنهم واستقرارهم!
فماذا يعني أن يعيش ملايين الشيعة حياة تعيسة وبائسة، من أجل أن ينعم ممثلوهم في البرلمان بالحياة الباذخة والقصور والامتيازات والمصفحات؟!، وماذا يعني ان يهجر اهالي الموصل والانبار وسط صمت أشبه بالمؤامرة والتخوين لكل من يتحدث عن التقصير والغفلة الأمنية؟
للاسف الفيسبوك يزدحم هذه الايام بوجوه ثقيلة تطل علينا بخطاب طائفي مقيت… فيما تحاصرنا وجوه الساسة من كل مكان يخرجون الينا بوجوه كالحة وبأرواح فارغة من ذرة حب واحدة لهذا الوطن.
وأسأل مناضلي الفيسبوك سنة وشيعة عن اي طائفة تدافعون وهل قدم السياسيون السنة لجمهورهم خدمات وامتيازات حتى نقول ان الشيعة غاضبون لهذه التفرقة، ام استطاع الساسة الشيعة ان ينهضوا بمدن الجنوب والوسط على حساب صلاح الدين والموصل
هل ان الفاسدين واللصوص وسارقي الاموال ومثيري الفتنة الطائفية ينطبق عليهم توصيف المدافعين عن مظلوميات طائفتهم ؟ ان خفافيش الديمقراطية من كل الطوائف، هم جميعا من افسد وسرق ونهب وقتل على الهوية، لا فرق بين سياسي طائفي سواء أكان شيعيا أم سنيا فالاثنان شركاء في تخريب الوطن وسرقة أحلام الناس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram