شُكراً جزيلاً للسيد القائد العام للقوات المسلحة العراقية نوري المالكي، لإعلانه حالة الإنذار القصوى، والتأهب الشديد في جميع أنحاء البلاد، ودعوته مجلس النواب لإعلان حالة الطوارئ رسمياً، ولأنه لم ينس المطالبة بدعم دولي، في الحرب التي يخوضها "ضد الإرهاب"، ودعوته المنظمات الدولية والعربية لمساندته، لكن المثير للدهشة والغضب والاستنكار، مناشدته المواطنين لحمل السلاح والاستنفار، لإعادة الحياة لطبيعتها في نينوى وغيرها، وكأنه ليس هناك جيش وقوى أمنية يزيد عديدها على المليون، وصُرفت عليها مليارات الدولارات تسليحاً وتدريباً وامتيازات، وكأن وظيفة كل هؤلاء حماية "الزوار" وليس الوطن.
جزيل الشكر للسيد المالكي وزير الداخلية وكالة، وهو ينتزع من مجلس الوزراء قراراً بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، بعد ان كشفت مهزلة الموصل أن كثيراً من منتسبي هذه الأجهزة، قصّر وتخاذل عن أداء مهامه ما يستدعي محاسبته، لكن ما يؤشر إلى حالة التخبط السائدة في المنطقة الخضراء، هو توجيه مجلس الوزراء للقوات الأمنية، باتخاذ الإجراءات والخطط، الكفيلة بإعادة الأمن للبلد، وهو كان اتهمها في نفس البيان بالتقصير والتخاذل، ووعد بإعادة هيكلتها.
في الدولة المدنية الديمقراطية، التي بذل العراقيون الكثير من دماء أبنائهم للوصول إليها، والعيش المشترك تحت سقف قوانينها، تلجأ حكومة المحاصصة إلى قوى مسلحة خارج الإطار الرسمي، فتدعو أبناء العشائر للتطوع وحمل السلاح، للدفاع عن الوطن، وتعد هذه الحكومة بدعم وتنفيذ هذا الاستعداد، فتُشكل خلية أزمة خاصة لمتابعة عمليات التطويع والتحشيد والتسليح، وكأن مواطني بلاد الرافدين ليسوا مسلحين حتى العظم، ولأن ثقته منعدمة بكل وبأي شيء عراقي، فإنه يدعو دول الجوار للتعاون، وقطع خطوط الإمداد والتمويل عن الإرهاب، والمقصود بذلك داعش التي تم تهريب قياداتها من سجن أبو غريب، ولم تتضح بعد معالم هذه العملية المشبوهة، والتي اعترف وزير في حكومته أن أطرافاً حكومية تواطأت لتنفيذها.
يدفع كل ما يبدو تخبطاً في بغداد، بعد انهيار القوات الحكومية الفاجع في الموصل، إلى حديث البعض عن خطط مدبرة للإجهاز على الدستور، حيث تستعيد حكومة المركز سيطرتها على الموصل، مُرسخةً سلطة السيد المالكي، كخطوة تلي إسقاط موضوع إقليم نينوى، وبعدها يأتي دور إقليم كردستان، المُتوقع أن يتعرض لهجمات داعشية، تستدعي شن الجيش حرباً على طموحات الكرد، الذين يدافعون عن حقوقهم الدستورية قبل الوطنية، فيما يتقدم المالكي بمبرراته المتسترة بمحاربة الإرهاب، لشن حربه ضد الإقليم، وهي نغمة تحظى برضا الرأي العام، سواء في العراق أو عند المجتمع الدولي، لكن هؤلاء يغمضون أعينهم عن تاريخ الكرد القتالي دفاعاً عن حقوقهم، وعن قدراتهم اليوم على مواجهة كل التعديات على حقوقهم الدستورية، في عراق موحد وفدرالي قبل أن يضطروا لاتخاذ قرارهم وعبر استفتاء شعبي، بإقامة دولتهم المستقلة.
وبعد، فيبدو أن المالكي، مستعدا لارتكاب أي حماقة تضمن له الولاية الثالثة، بغض النظر عن ما يدور في بلاد الرافدين من حرب أهلية، وما يكتنفها من انهيار لمفهوم الدولة الوطنية وانتهاك للدستور، مع أنه يعرف أن المطلوب للحفاظ على وحدة العراق، هو احترام الإرادة الحرة للطيف الواسع المتعدد من مكوناته، بالعيش في ظل دولة اتحادية، تُصان فيها حقوق مواطنيها كافة، دون تمييز على أسس طائفية وإثنية، وبعيداً عن حرب يزيد والحسين، التي يُراد من استعادتها، تثبيت أسس نظام مركزي يضمن السلطات المُطلقة لمختار العصر وعائلته وحزبه، وهو ليس أكثر من نسخة باهتة من القائد الضرورة، الذي جرّ على العراق كل هذه الويلات، بما فيها حكومة المُحاصصة المالكية.
كل الخيارات لضمان ولاية ثالثة
نشر في: 11 يونيو, 2014: 09:01 م










