ليست قصة خيانة او "هروب من الزحف" تلك التي حصلت في الموصل. لا تنقص العراقيين الشجاعة البدنية والنفسية لحمل السلاح بوجه مسلحين متشددين، لكن الامر ترجمة واقعية جدا، لعقلنا السياسي الذي ظل يتهرب من الاسئلة الكبيرة فترة طويلة.
لقد عجزنا عن التمسك بخيار التفاوض حول قضايا الثروة والسلطة، ولم يكن المتفاوضون صبورين كفاية، فعلق الجميع داخل انسداد سياسي، وحين تموت السياسة ونغلق الباب في وجه التفاوض، تظهر ألف داعش في ألف مكان.
الجنود الذين تركوا سلاحهم، لم يكونوا يمتلكون اجابة واضحة على كثير من الاسئلة التي تسبح في فراغ قاتل مرسومة منحنياته بالدم. لم تكن الاغاني الهابطة العسكرية التي تبثها فضائية الحكومة، تحمل ردودا شافية لكل تلك الاستفهامات. كما لم تكن صيغة "الحرب على الارهاب" قادرة على فض الاشتباك بين الطوائف المتناحرة، والطبقة السياسية الغارقة بالامتيازات والفساد، وفريق السلطة الذي رفض رعاية التسويات، وظل يفكر بمنطق الاخضاع، ولم يحسن قياس الزمان وعوامل القوة وسيناريوهات الانهيار.
الجيش مؤسسة تحمي الدولة، والدولة منقسمة على نفسها تعيش اكبر مفارقاتها، ولا يصبر قادتها على حوار او صوغ تسوية. الدولة مشروخة وتطالب الجيش بأن يبقى متماسكاً.
كان قادة كبار يطالبون بمشروع للتغيير والاصلاح يتضمن استيعاب جميع الغاضبين، حتى قبل حادثة رافع العيساوي التي اطلقت شرارة الاعتصامات. وقد اطلقوا تحذيرات عدة من نهج الحكم الحالي، الذي سيعرض وحدة البلاد الى الخطر. لكن فريق السلطة قام بصم اذنيه.
وقد تمسكنا بالامل، وقلنا ان التغيير قادم، وسيمكن لخطوات اصلاحية ان تقنع الجمهور الغاضب بوجود نهج حكم بديل يقدم خيارات واسعة، لتحقيق العدالة، ودفع اللامركزية وهي روح الدستور، لتتيح للغاضبين ان يشعروا بأنهم مسؤولون عن ادارة شؤونهم واصلاح احوالهم، وان الحل سيظل في سياسة صحيحة، وسيغنينا عن اللجوء للعنف، تحت وطأة الشعور بالمظلومية الوطنية او الطائفية.
ولكن في هذه اللحظة لا يوجد من ينفي ان داعش كانت اسرع من كل محاولات الاصلاح التي اردنا لها ان تطفئ الحرائق.
الاصلاح السياسي تأخر، وكان منطق العنف اسرع، وظلت الدولة مثل قطعة قماش يمسك المالكي بمعظم اطرافها، ضاربا قواعد اللعبة بعرض الحائط، بينما المطالبون بالاصلاح السياسي يحاولون امساك الطرف المتبقي، لكبح جماح التمادي غير الحكيم، فتسبقهم داعش اليه وتخرق قطعة القماش، وتضع امام الجميع اصعب مهمة لرتق هذه الفتوق المعقدة.
سنوات مرت، ونحن نصرخ مطالبين بتعديل السياسات، وبأن المحافظات "السنية" يمكن ان تنفجر، ويمسك بزمامها المستفيدون من فشل الحكومة، ولم يصغ السلطان لنصيحة.
الطبقة السياسية في تلك المحافظات، غامرت كثيرا، وخالفت رأي جمهورها في احيان كثيرة، محاولة ان تؤمن بأن السياسة قادرة على خلق وضع منسجم، وبدل ان يشجع فريق السلطة هذا الجانب، راح ينشغل باستغلال الثغرات والاخطاء وسلوك المتطرفين، لتعبئة الجمهور طائفياً، وخاصة خلال موسم الانتخابات، ولم يكن هناك اسرع من داعش، لاستغلال هذا المناخ المسموم.
لم تكن الشجاعة تنقص الجيش ليواجه داعش، بل غرق الجند في الفراغ، حين تأخرت الخطوات الاصلاحية، التي جرى احباطها في ٢٠١٠ مع بنود اتفاقية اربيل التصحيحية، ثم مع محاولة سحب الثقة، ثم مع نقض مدحت المحمود لاكثر من تشريع كان يهدف لتصحيح المسار. والدولة التائهة لا يمكن ان تمتلك جيشاً متماسكاً. ولا يحسن بها ان تبرر تمزقها، وتلقي باللائمة على الجيش.
ليست الخطوة المقبلة لغزا. اذا بقي فريق السلطة نفسه، فستتسع الخروق. اما اجتماع المطالبين بالاصلاح وامتلاكهم ارادة التغيير، فانه سيفتح باب امل لتلافي النكسة.
لقد امتلكت داعش الجرأة على إحداث "تغيير" بطريقتها المرفوضة سلفاً، لكنها استغلت جمود الاصلاح السياسي وتلكؤه. واذا لم نمتلك جرأة تغيير وتصالح باسم الدستور، فإننا لن نتلقى مجرد هزيمة على يد داعش واحدة، بل ان الامر سيفتح الباب على انماط عديدة من التمرد، حيث لا يبقى حجر على حجر.
جميع التعليقات 4
ابو سجاد
اما الولاية الثالثة للمختار والا لايبقى حجر على حجر فاليسمع الجميع الذين يتلقون اوامرهم من ايران واميركا والسعودية وتركيا وقطر وحتى الكويت فاليوم هو يوم الحسم اما ان يبقى العراق او يتلاشى لاسامح الله لامساومات بعد اليوم على حساب الوطن ايها الساسة المراهقي
ياسين عبد الحافظ
قال ملك القرود لقومه القردة فى الغابة : تعالوا اليوم نعمل حيلة قوية فى الغابة نضحك بها على الحيوانات كلها,اصعدوا على اشجار الجوز وخذوا مواقع لكم فى اعلاها وعندما اعطيكم الاشارة اريد منكم جميعا ان تقطعوا من الجوز وترمون به كل حيوان ترونه يمر من تحتكم وان س
farid mohamad
سيد سرمد نعم ماتفضلت به صحصح جداً للغاية.. وتعرفون جيداً من اخرج القاعدة من الانبار تلبية لوحدة الوطن على الرغم من التمادي السلطوي الذي تعرفونه جيدا وغرورهم الطائفي المستبد وانتم من المناهضين له ولكن هذا لايكفي في رؤية اللأعلامين.أنت والاخرين لقد حددتم ا
عساكم بخير
كيف لنا ونحن نعيش زمن المراهقيين في السياسة نعم فعلتها داعش وجعلت التغيير حقيقة ولكن ما سوف نفعلة نحن اللذين احترقنا ونحترق يوميا بسياية المراهق الصغير نوري المالكي كفى كفى اليوم ان نقول له ارحل ايها المعتوه كفى حريقا للبلاد نريد ان نعيش بامان وسلام اخوة