لم يعد الامر سراً، فارتباكنا المتواصل للانخراط في المعايير الحديثة للتاريخ الانساني، رمانا في الجانب الموحش من التاريخ. اننا في هذه اللحظة، ندفع ضريبة ترددنا في اعتماد الشكل الحديث للدولة، ومعاييرها التي تعلم البشر كيف يعيشون مع بعض، فظهرنا عراة حفاة، نحمل سيوفا متعطشة للدم.
في الجانب الموحش للتاريخ، لن يكون اختفاء بلد من الخارطة، سوى ابسط النتائج، لأن اطلال البلاد هذه ستظل غارقة في امواج من يرفعون رايات الله، ويسفكون دماء بعضهم، ويطلبون منا التوبة والجزية، ويعلن كل منهم طوارئه، فيتصاعد التصفيق كلما طار رأس من ظنوا انه خائن، او هارب من الزحف، او ممتنع عن الانخراط في هذا التصفيق.
وفي هذا الجانب من التاريخ، يرفض الناس الاستفادة من خبرة البشرية في حل النزاعات، ويحسبون انهم حالة خاصة جدا، لا علاقة لها بإرث ادارة الصراع وخبراته. ولذلك يمتنعون عن مراجعة الاداء والاعتراف بالاخطاء، لان اي تشكيك بنهج السلطة، هو خيانة داخل المعركة، تستوجب اقصى العقوبات، فيتوهمون ان معالجة الانهيار، يكون بمزيد من الوحشية، وبكمية اضافية من العناد.
وفي هذا الجانب من التاريخ، حيث يرفض الناس الانخراط في نمط العلاقات الاقتصادية الحديث، يوجد دوما "زعماء" عاطلون عن العمل، حائرون في "مواهبهم" الكاسدة، ليس امامهم سوى ان يقاتلوا لعلهم يحصلون على "الزعامة" التي تليق بمطامحهم.
الامم في مثل هذه الحالة، لم تتعلم ان تكون منتجة، ولا طريقة لديها لقتل الوقت، سوى تذوق طعم كل هزائم التاريخ، فتتفرغ لتطوير ضغائنها، وشحذ ألوان الكراهية، وكلما امتلأت الجماجم بالغضب، قامت قيامتنا وسالت دماؤنا، ليتولى صراخنا وعويلنا، ملء الفراغ القاتل لحاملي موهبة القيادة وجنون الزعامة.
في هذا الجانب من التاريخ، لا يمكن لاحد ان يحل المشاكل. لان لدى الجميع ما يكفي من الوقت لادعاء العبقرية، ورفض الاستماع للنصائح او الاستعانة بالمشورة. ويحدثني وزير سابق وسياسي متعقل لا يسمعه احد اليوم، ان سلطان العراق اخبره مؤخرا في لقاء غير ودي، ان خطاباته الاسبوعية تترجم حرفيا للرئيس اوباما، الذي يستعين بها في فهم ما يجري في الشرق الاوسط!
وفي ذروة ممكنات هذا "الخبل" تاهت الامة مرات عديدة، وكان لديها وقت فراغ طويل، لتهتدي الى مدافن جديدة، تواري فيها الابطال المهزومين، وقرابين هذا الجزء الموحش من التاريخ.
ولم يفت الاوان بعد للانتقال الى الجزء الحديث من التاريخ، الذي يمكن فيه للجماعات البشرية ان تحلم بقيام دولة محاطة بأسباب الاستقرار، وان تغادر غابة الارادات المتكسرة، لكن المانع الوحيد امام هذا العبور، هو كل هذا الغرور الذي يركبنا، ويجعلنا نتوهم طوال قرون، اننا لسنا بحاجة الى احد، وأننا اصحاب حق مقدس، ستهرع الملائكة الى مساندته، وأن اعداءنا ككفار يستحقون القتل، سيتبخرون كما تبخرت الابالسة من الجنة.
اننا امة تموت "حتف غرورها". و"حتف فائض الاماني السحرية". تناحرنا من اجل السماء، فخربنا الارض. سخرنا من السلام ولم نعرف كيف نضع خاتمة مناسبة للحرب.
انه انهيار جلل يدفعنا للغرق في هذه اللهجة التراجيدية. لكننا نقترب من لحظة تتطلب منا درجة صراحة كنا نؤجلها، بأمل ان يحل الظرف المناسب. على عكس ما يريد فريق السلطة اليوم، وهو يحاول اقناعنا بأن درجة الخطر، تتطلب ان نغرق اكثر فأكثر، في خداع انفسنا. لان هذا الخداع والتساهل في وصف النهاية المروعة، هو الذي وضعنا اليوم في اسوأ اختبار، وقام بتعطيل الدولة كوعاء حديث، ليدفع الناس للاحتماء بأكثر وسائل الحماية بدائية، في وجه اكثر المخاطر تعقيداً.
الجانب الموحش من التاريخ
[post-views]
نشر في: 14 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
MOONSUN
صباح الخير فشل مستمر ولا امل بالاصلاح وفساد قل نظيره فى دول العالم وظلم اصاب الغالبية من ابناء الشعب وكما يقول المنولوجيست المرحوم عزيز علي (الظلم لو دام دمر يحرك اليابس والاخضر والميصدق غبي)ومرجعية بدلا عن ان تصدر فتوى بعزل المالكي الذي هو سبب هذه الم