فكرت أن أكتب لحضراتكم عن كتاب انتهيت من قراءته مؤخرا لاثنين من الفلاسفة الأمريكان الجدد بعنوان " دليل الاستبداد والمستبدين " وفيه يخبرنا المؤلفان انهما يحاولان تتبع العناوين الرئيسية للسلطة ، وكيف انها تغلف نفسها كل يوم بالخد ع والاحتيالات والمغالطات والمخاتلات .
"دليل المستبد" يحاول البحث عن إجابات لأسئلة من عيِّنة ، لم يظل المستبدون ممسكين بالسلطة لفترات طويلة؟، وبالمقابل كيف تتمكن البلاد من البقاء طويلا في ظل هيمنة سياسات مضللة وفاسدة؟، يؤكد الفيلسوفان أن الإعلام هو كل ما لدى المستبد المهووس بالكرسي، فهو يتصور أنه ينادى للشعب عبر الشاشات.. ولان الحديث عن الإعلام اخذ حيزا مهما في الكتاب ، فقد تذكرت إنني قبل ايام عثرت بالمصادفة وانا اقلب في أرشيفي الخاص من الصحف والمجلات القديمة ، على لقاء أجرته مجلة روز اليوسف مع المذيع المصري الشهير آنذاك احمد سعيد والذي كان يتولى قبل نكسة 1967 مسؤولية اهم محطة اذاعية عربية "صوت العرب"، في الحوار الذي اجري قبل حرب حزيران بأشهر كان الصحفي يسال المذيع الأشهر عن توقعاته، لو ان الحرب قامت بين اسرائيل والعرب، فتكون إجابة احمد سعيد قاطعه : سنرميهم في البحر وسنمحو من الخارطة شيئا اسمه اسرائيل .
حكاية احمد سعيد هي واحدة من حكايات الفشل العربي ، وهي تشكل العمود الفقري للعقلية التي ظلت تحكم هذه البلاد لمدة عقود تحت شعارات وأهازيج المعركة .
انزوى احمد سعيد بعيدا، فبائع خطابات النصر لم يجد بعد نكسة حزيران من يسال عنه او يطمئن عليه، فالرجل الذي حمل توكيلات الإعلام الرسمي وخطاياه ، ظل لسنوات قبل النكسة يشكل ظاهرة في الإعلام العربي جعلت منه نجما جماهيريا، ليس في مصر وحدها، بل على امتداد الوطن العربي كله .. لكن بعد الخامس من حزيران اكتشف جمال عبد الناصر أن صوته الاعلامي زاد في حجم الهزيمة، وفي وَقْع الخيبة على الشعب وعرفت الناس التي نامت مطمئنة ليلة الرابع من حزيران، ان ديك الصباح ينبئها بان الطائرات الإسرائيلية التي أسقطها أحمد سعيد في الإذاعة ، دمرت الجيش المصري واحتلت القدس وسيناء والجولان ، وان اسرائيل تتفرج على النيل من بعد كيلومترات قليلة
تذكرت حكاية احمد سعيد وانا أتطلع الى وجهه باسما وهو يقول لمحرر روز اليوسف ان الطائرات الاسرائيلية اشبه بالعصافير سرعان ما تقع فريسة بيد الصياد الماهر ، وأتخيل الجماهير العربية تخرج إلى الشوارع تعرب عن الامتنان والشكر من المنجزات التي قدمها لها صوت مذيعها الأشهر والذي ظل حتى بعد النكسة بسنوات يرفض الاعتراف بالهزيمة ونراه يخرج بعد عام 2003 ليقول لصحيفة الشرق الأوسط انه نجح في ان يدفع المستمع العربي للتحرك ومواجهة الأخطار المحدقة به، لا أن يجلس أمام الراديو يتابع الأحداث والغارات وكأنه يشاهد مباراة لكرة القدم ..
إذن المسالة بسطها السيد احمد سعيد، فعلى المواطن ان لا يتسمر أمام الفضائيات ليتابع الانتصارات، وانما المطلوب منه ان يخرج الى الشوارع يهتف باسم قادته الذين قرروا في نشوة النصر ان يجعلوا منه شاهدا على عصر من التطور والتقدم والرقي.
اليوم كلما مررنا بلحظات فائقة الخطورة، نتذكر اجمل ما فقدناه، صوت احمد سعيد ، فنحن أمة لا تريد ان تتذكر سوى تواريخ الهزائم في يوم 5 حزيران تساقطت المدن العربية الواحدة بعد الاخرى. وما من نهاية لعصر السقوط، ما دام عصر الطوائف وفرسانها يعيش ازهى سنواته .
ولهذا سنظل نقول شكراً لأحمد سعيد لأنه لايزال يحمل إلينا أخبارا مفرحة وسط سيل الأنباء المحزنة ، فمذيع " الأمة " يبلغنا بنفسه ، ، أن صوته لايزال "ملعلعاً"، فهو يستطيع في أي يوم أن يطلق تصريحا "صاروخيا"، وبإمكانه في أية لحظة أن يهدّد الإعلام الذي لا يؤمن بان قادتنا سيدفنون اسرائيل في البحر ، لذلك على كل من يخطر له أن يتحدث عن المعركة وأسرارها ، أن يتذكر أن صوت احمد سعيد هو الأعلى، فلا شيء يعلو فوق صوت " المعركة " .
حوار مع أحمد سعيد
[post-views]
نشر في: 14 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أبو همس الأسدي
لندعو لأحمد سعيد بالرحمة ؟ وكذلك الرحمة للحي الأبقى فهي له قبل الميت ؟؟