اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > هؤلاء يسكنون في حي بلا ماء وبلا كهرباء وبلا دواء وأحيانا بلا غذاء

هؤلاء يسكنون في حي بلا ماء وبلا كهرباء وبلا دواء وأحيانا بلا غذاء

نشر في: 15 يونيو, 2014: 09:01 م

لا نعرف لماذا خطرت على بـالنـا رائعة دستوفسكي (ذكريات من منزل الأموات) ونحن نتجول بين أزقة ما تُسمى مجازاً بالبيوت (مجمع عشوائية سجن الفتيان) التي تقع خلف منطقة الشماعية في ضواحي بغداد وهي مكان كان لسجن الفتيان والأطفال إبان النظام السابق، حيث حوَّ

لا نعرف لماذا خطرت على بـالنـا رائعة دستوفسكي (ذكريات من منزل الأموات) ونحن نتجول بين أزقة ما تُسمى مجازاً بالبيوت (مجمع عشوائية سجن الفتيان) التي تقع خلف منطقة الشماعية في ضواحي بغداد وهي مكان كان لسجن الفتيان والأطفال إبان النظام السابق، حيث حوَّلت قاعاته وبناياته والمسرح وملعبه الرياضي إلى مأوى لهؤلاء الفارين من جحيم الحياة والفقر !
تُرى ماذا كان سيكتب دستوفسكي لو رأى (بيوت الموتى) هذه التي تفتقر إلى أدنى شروط السلامة ، ماذا ستقول الحكومة لو نظرت إلى تلك الصور بشعور إنساني لتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والواجب المناط إليها وهو خدمة المواطن وتحقيق أمانيه في عيش كريم لائق لا أن ترهقه بأعباء المعيشة وقسوة الفاقة من باب (كلكم راع ٍ وكل راع ٍ مسؤول عن رعيته)، أليس هناك مراجعة للضمير ليعترفوا بصدق أنهم ما قدموا لهدا البلد غير الألم والمعاناة والفقر؟!

حـيّ بائِس

التقطنا العديد من الصور ولو كان بالإمكان نشر كل الصور التي التقطناها في هذا الحي البائس ، لأغنانا ذلك عن الكثير من الكلام مهما كان بليغاً ومسهباً .. إنها صور تنطق بحجم البؤس والمعاناة .. وليعرف قاطنو " المنظقة الخضراء " كيف يعيش أبناء شعبهم ، وتحت أي مُسمّى يمكن أن ندرجهم ، تحت خـط الفقر أم أنه الأعماق السحيقة لهذا الخط ؟ 
نفايات ومستنقعات آسنة بالمياه وغرف تنمو داخلها الطحالب وسقوف من (الجينكو) وجدران آيلة للسقوط لكثرة الرطوبة مبنية من أردأ المواد وأبخسها قيمة ، أرضها تنزّ منها المياه الجوفية وبقايا مياه المجاري إضافة إلى مياه الأمطار التي لم تجف بعــد ، ربما أن الموجع في الأمر أننا حين نلتقي بالمواطنين يأتون إلينا متلهفين لطرح معاناتهم ظناً منهم أننا مسؤولون ، وأننا جئنا للوقوف على مطالبهم ، وحين يعلمون أننا من الصحافة تعلو وجوههم سحابة من الأسى ليقولوا بتهَكُم (ومَن يسمع صوتنا ، تكلمنا وتحدثنا كثيرا ولكن لا أحد يسمع صوتنا؟) ويُضيف آخرون بسخرية مرة ( وهل يقرأ المسؤولون حتى تنشروا ما نقول ؟)
لا كهرباء ولا مــاء
رافقنا في جولتنا أحـد وجهاء المنطقة عزيز عبد الجبار يعمل بأجور يومية في دائرة البريد والاتصالات الذي شكر الصحافة على قدومها إلى منطقتهم التي قال عنها إنها بعيدة عن اهتمام كل المؤسسات الحكومية الخدمية والصحية حيث لا كهرباء و لا مــاء ، وأكد أن أية منظمة مدنية من منظمات المجتمع المدني لم تزرهم ، ولم يزرهم أي مسؤول للإطلاع على حالهم المأساوي الذي انعكس على حالتهم النفسية والصحية وهم سكنوها اضطراراً لعدم مقدرتهم على استئجار دور تأويهم ، خصوصا أن العوائل تتكاثر والبيوت تختنق بأعداد كبيرة من الأطفال .
المجمَّع مساحته نحو 5 دوانم يحتوي على أكثر من170عائلة وعدد نفوسها اكثر من 1500 نسمة يسكنون في دور مساحاتها مختلفة بعضها يصل إلى 50 مترا مربعا حتى إنها تفتقر إلى أدنى شروط السكن الإنساني ، بعضهم نازح من المناطق الساخنة وبعضهم اضطرتهم ظروف العيش للمجيء إلى بغداد وافدين من البصرة والعمارة والناصرية وبقية المحافظات والبعض الآخر من سكان مدينة الصدر أو المناطق المجاورة يجمعهم قاسم مشترك هو الفقـر والحاجة وعدم وجود سكن مناسب ، موزعون بشكل عشوائي على مجمعين وهناك 5 أزقة تتفرع منها ، كلها غارقة بالمياه الآسنة .. حيث أن قطع البلوك أو الطابوق مرصوفة وسط تلك المياه لتصير لهم معبراً للتنقل.
الفقر هو القاسم المشترك
يقول المواطن ( رمضان شعبان ) وهو قادم من محافظة البصرة ..مخاطباً إيانا بألم وحسرة كي نوصل صوته عبر جريدتنا إلى المسؤولين ( تعالوا إلى بيوتنا أنظروا ، أيمكن أن يعيش إنسان هنا ، هذا القصب ، وهذه بحيرة المياه المتعفنة ذات اللون الأخضر التي تحيط ببيتي ، مرتعاً للأفاعي وأنواع الحشرات ومصدرا لأمراض عــدة، فالروائح الكريهة تزكم أنوفنا حتى اعتدناها ، لا أعتقد أن إنساناً سوياً باستطاعته أن يتحمَّل عبء الإيجار ويسكن هنا ، ليجرب المسؤولون العيش هنا ليعرفوا حجم ما نعاني؟ وأضاف قائلا : نحن بشر لماذا لا تفكر الدولة بنـا ؟
ويُضيف عزيز ( إن الكهرباء بالنسبة لنا من المشاكل المعقدة التي تضاف لجملة المشاكل التي نعاني منها ) حيث أننا غير مشمولين بخدماتها ، لذا نضطر إلى أن نسحب كهرباء لبيوتنا من خطوط نقل الكهرباء بصورة مباشرة حيث تعرَّض الكثير من أهل المنطقة إلى إصابات بسبب الصعق بالكهرباء ، وآخر حادث كان للمواطن صادق أبو حيدر الذي سقط من أعلى العمود الكهربائي ، ما أدى إلى كسر ساقه إضافة لتعرضه لحروق نتيجة الصعقة .
مضطرون للعيش هنـا
قالت المواطنة أم علي وهي أم لخمسة أطفال أكبر أولادها عمره اثنا عشر عاما ولديها ولدان معاقان: إنها اضطرت للعيش هنا لأنه لا معيل لها ، ولا تستطيع تحمل أعباء أجرة السكن ، ولا حتى إعالة أولادي .. 
أما المواطن غالي سلمان فيقول: إن لديه ولدين وهو يعمل في البلدية ويسكن داراً خربة يكاد سقفها أن يهوي عليهم في أية لحظة ، لذا اضطر إلى استقراض مبلغ من المال لترميم البيت. 
أما المواطنة ليلى طالب محسن وهي من أهالي الشرقاط قالت: إن حالها لا يُسر العدو حتى كدنا نذهب ضحايا أنا وخمسة أولادي لولا إرادة الله ، حيث كاد سقف الغرفة يهوي على رؤوسنا ، ودعتنا لمشاهدة السقف الذي كان عبارة عن قطع من الصفيح محملة على أعمدة من الحديد والخشب المتكسر والذي تداعى بفعل تقادم الأيام وثقل التراب الموضوع عليه ، أما أرضية الغرفة فكانت مرصوفة بالطابق المتشبع بالمياه إضافة إلى عدم وجود مجارٍ للصرف الصحي ، إذ نعتمد على (البالوعات) وهي حُفر عميقة مغطاة بالصفيح المتهرئ وعلى أرض هشة قد تنهار لأي ثقل إضافي ، ثم تضيف أن زوجها كان قد هجرها لتلقى مصيرها لوحدها تعيش الفاقة معتمدة على مساعدة شقيقتها لها التي تسكن معها في الدار نفسه ، والبعض من سكان المنطقة . 
وتضيف ليلى: أنهم يجلبون الماء من دار العجزة التي تبعد عنهم بحدود 400 متر ، حيث لا توجد أنابيب إسالة .
فرحنا في البداية
أما المواطن كاظم جواد يعمل (بالعَمـّالة ) يقول: إنه سكن هنا بعد السقوط وحينها كان هذا مكسباً لنا وحلماً أن تكون لنا قطعة أرض نملكها بعد أن كانت حصتنا من العراق هي هوية الأحوال المدنية وحصة المواد التموينية وهي لا تُسمن ولا تُغني عن جوع !
ويستطرد.. مع مرِّ الأيام بدأت المتطلبات المعيشية تزداد والعائلة تكبر ، لذا أصبح من غير الممكن أن انتقل إلى موقع أفضل برغم ما ترونه من هذا التجمع للمياه الآسنة في باحة الدار الذي لا يجف حتى في أيام الصيف ، وأننا نضطر في الأيام الممطرة إلى وضع القدور والأواني حتى لا تفيض الغرف لكن برغم كل استعدادنا نجد أنفسنا مضطرين إلى تجفيف المياه المتجمعة عند الصباح .. هذا ما يحدث في الشتاء أما الصيف فهو ليس بأحسن حالاً ، فالحرارة لا تُطاق داخل الغرف ذات المساحات الضيقة التي هي عادة بلا نوافذ تهوية مناسبة .. ولا أجد تشبيهاً لحالنا غير المثل القائل: ( كالمستجير بالنار من الرَّمضاء .. ) 
ومن خلال ذلك يؤكد عزيز عبد الجبار على أهم ما يعاني منه سكان المنطقة .. هو عدم وجود مياه إسالة ، المياه الواصلة إليهم من أنبوب قديم فيه تكسرات ، فيأتيهم الماء ممزوجاً بالمياه الجوفية وتكدس مياه الأمطار ، إن منظمات المجتمع المدني لم تزرهم ، ولم يزرهم أي مسؤول خلال العشر سنوات الماضية ما عدا الهلال الأحمر الدنماركي حيث جهزهم بسقوف (سندويج بنل ) .
هذه مطالبنا
وأوضح عزيز: تتعرض المنطقة إلى الغرق بسبب انخفاض مستواها، إضافة إلى كونها كانت تجمعاً للمياه، حتى الآن لم يُصرف لهم أي مبلغ كتعويض عن أضرار الأمطار، يمكن لهذه المبالغ أن تساعدهم في ترميم منازلهم .. هناك أراضٍ صارت مكبـَّاً للنفايات وتجمعاً للمياه حيث تعلوها الأدغال والقصب الذي نما وامتلأت به تلك البرك ، إذ لا توجد لديهم أية إمكانية لردمها إلا بتوفر جهد هندسي تشارك فيه البلدية ، مشيراًُ الى انه لا توجد رعاية صحية ميدانية حيث اللقاحات ومعالجة المرضى ، ولا تأتي سيارات رش المواد الكيمياوية للقضاء على مواطن البعوض في الصيف، التي تكثر بشكل غريب! 
وأضاف: كما نحتاج الى تأسيس خطوط كهرباء لتوزيع الكهرباء بشكل تتوفر فيه شروط السلامة والأمان حيث أن معظم الأكياس مرفوعة على أعمدة من الخشب تكون موصلة للكهرباء في حالة حدوث الأمطار , ويحتاجون إلى عجلات رفع القمامة، لأنها باتت تزداد يوماً بعد آخر ، اضافة الى شمول الفقراء منهم برواتب الرعاية الاجتماعية وتبليط الأزقة أو رمي الزفت فيها على الأقل , ولعل أهم مطلب من مطالبهم هو أن تُملـَّك تلك الدور لهم أسوة ببقية العشوائيات.. علماً أن هناك جردا كاملا بأسماء القاطنين فيها لدى المجلس البلدي لمنطقتي العبيدي والشمّاعية .
وبعد ... هؤلاء هم بعض مواطني العراق الساكنين في العشوائيات ، هؤلاء هم بعض مواطني دولة تطفو فوق بحيرة من النفظ ، لكن أين تذهب مليارات النفط ؟ بالتاكيد ليس الى توفير الخدمات لهؤلاء ، بل تذهب في البنوك الأجنبية لتزداد أرصدة أولئك الذين يعتاشون على السحت الحرام.. والسلام على ساكني العشوائيات ولا سلام على آكلي السحت الحرام !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram