غياب الحكمة واستنادا الى تجارب حية شهدها العراق وبعض دول المنطقة، جعل المؤسسة العسكرية سياسية بامتياز ، فسخرت لحماية امن السلطة وهي في الغالب جائرة ، وصلت الى سدة الحكم عن طريق انقلاب عسكري وبيان رقم واحد ، او عن طريق الوراثة ، وتعديل مواد دستورية في الوقت الضائع ، ليتولى الابن عرش ابيه وسط تأييد جماهيري كبير على حد مزاعم الاعلام الرسمي .
منذ تأسيسه مطلع عقد العشرينات من القرن الماضي ، حرص قادة الجيش العراقي على الابتعاد عن السياسية ، ولكن هذا المسعى اصطدم بعقبات كثيرة والأسباب معروفة ، فزج الجيش في الصراعات السياسية ، وفقد الجيش استقلاليته ، وعندما ترسخت في الحياة السياسية العراقية نظرية الحزب الحاكم دفع الجيش ضريبة حماقات ونزعات أصحاب القرار .
"مذكرات خوذة " ربما تصلح لتكون محاولة لاختزال قرابة قرن كامل من الزمن العراقي شهد اضطرابات سياسية وأمنية ونزاعات مازالت نيرانها تحت الرماد ، يعد الجيش طرفا مهما فيها وعاملا في حسم الأحداث لاحد اطراف النزاع او جعلها لصالح طرف دون اخر ، عندما تمكن المغامر السياسي من السيطرة على الدبابة والتوجه بها الى دار الإذاعة ليعلن البيان رقم واحد .
الاوراق الاولى "مذكرات الخوذة " اشارت الى صفحات سود اخرى ، واستعرضت احداثا ووقائع اصابت المؤسسة العسكرية بالشلل ، وتجاهلت مآثر بطولية سطرها الجيش العراقي في بعض المحطات من تاريخه ، وهي محطات استثنائية حصلت في حالات التحرر من هيمنة السلطة ، واذعان صاحب القرار لمتطلبات الدفاع عن الوطن ، ومثل هذا الاستثناء سرعان ما اصبح طي النسيان ، عندما شعرت السلطة بان الجيش بامكانه ان يصبح عامل تهديد لوجودها.
تستعرض "مذكرات الخوذة" الحرب العراقية الايرانية وكذلك غزو الكويت ،ولعل الصور الابشع تتمثل باستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد ابناء الشعب ، وصدور اوامر لتشكيل فرق اعدامات توجه بنادقها الى المنسحبين من جبهات القتل، ودليل الادانية عندما يرى المسؤول عن فرق الاعدامات جنديا او ضابطا برتبة صغيرة تخلى عن "بسطاله" الثقيل ليركض حافيا نحو ملاذ آمن لكنه في لحظة الوصول الى موقع يعتقد بانه سيمنحه فرص جديدة للاحتفاظ بحياته ، يتلقى رصاصات قاتلة ، تدفع أسرته ثمنها ، مع أوامر بمنع اقامة مجلس الفاتحة على روحه.
تقول الخوذة في مذكراتها ان هزيمة الجيش ان حصلت يتحمل مسؤوليتها اصحاب القرار ، ولم يشهد التاريخ العربي محاسبة من كان سببا في الهزائم وباستثناءات قليلة جدا ربما لجأ احدهم وفي لحظة الشعور بالإحباط الى الانتحار وإسدال الستار على صفحة غامضة ، غير قابلة لتسليط الضوء ، فالسلطة المشغولة على الدوام بتحقيق الانتصارات الوهمية عبر الإعلام الرسمي، ليست مستعدة للكشف عن الحقائق في زمن اضطراب الأوضاع ، خصوصا ان الانتصارات المزعومة ، لم ترد في مذكرات الخوذة وروايات البساطيل المتروكة في ساحة المعركة .
مذكرات خوذة
[post-views]
نشر في: 15 يونيو, 2014: 09:01 م