اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > من المسؤول؟ أطفال تركوا ساحات العلم وتوجهوا لساحات العمل

من المسؤول؟ أطفال تركوا ساحات العلم وتوجهوا لساحات العمل

نشر في: 16 يونيو, 2014: 09:01 م

كنت أراه صباح كل يوم في احد تقاطعات بغداد ، طفل جميل لا يتعدى عمره العشر سنوات ، كان يفرح كثيرا حينما يكون هناك زحام للسيارات عند نقطة التفتيش في السيطرة ، إذ يكون الوقت آنذاك وقتا ذهبيا له لتصريف بضاعته ، كان يبيع كل شيء ، مرة يحمل قناني الماء ، و

كنت أراه صباح كل يوم في احد تقاطعات بغداد ، طفل جميل لا يتعدى عمره العشر سنوات ، كان يفرح كثيرا حينما يكون هناك زحام للسيارات عند نقطة التفتيش في السيطرة ، إذ يكون الوقت آنذاك وقتا ذهبيا له لتصريف بضاعته ، كان يبيع كل شيء ، مرة يحمل قناني الماء ، وثانية يحمل علب الكلينكس ، وثالثة تراه حاملا (ماسحة) صغيرة ليمسح الزجاج الأمامي للسيارات أملا في الحصول على مبلغ مالي من صاحب السيارة الذي غالبا ما ينهره بدلا من مكافأته !
لكن ... غاب ذلك الوجه الطفولي فجأة ، فلم اعد أراه طيلة أسبوع مضى ، سألت احد زملائه الذي كنت غالبا ما أراه معه ، فقال ان حيدر أصيب بكسر في ساقه بعد ان صدمته سيارة كان يركض خلفها لأن صاحبها اخذ علبة كلينكس ولم يدفع ثمنها بسبب تحرك سير السيارات .
في ذلك اليوم ، تذكرت أحداث الفيلم المصري" أطفال الشوارع".

 

وتساءلت :هل يمكن إطلاق هذه الصفة على أطفال العراق الذين يعملون لأجل توفير لقمة الخبز المغمسة بالكرامة لعوائلهم ؟ وقبل الإجابة على السؤال لابد من معرفة معنى أطفال الشوارع حيث اكد المختصون ان "أطفال الشارع يمكن تقسيمهم إلى فئتين هما:

- الأطفال في الشارع والذين يحتفظون ببعض الروابط مع أسرهم.
- وأطفال الشارع الذين يعتمدون على أنفسهم اعتمادا كلياً.
إذن .... هؤلاء الأطفال الذين نراهم في الشوارع وهم يعملون بمختلف المهن ، ماذا نسميهم ؟ ولماذا هم في الشوارع ؟ ومن يحميهم ؟ وهل تركوا دراستهم ؟ وماذا عن قانون التعليم الإلزامي ؟ وهل يمكن اعتبارهم متسربين من الدراسة ؟ هذه الأسئلة وأخرى غيرها سنجيب عنها في موضوعنا هذا الذي سنتحدث فيه عن عمالة الأطفال ، ورأي القانون العراقي بهذه العمالة ، فلنقرأ معا ..
إحصائيات مهمة
وقبل الدخول في تفاصيل تحقيقنا لابد من القول إن منظمة العمل الدولية قدرت عدد عمالة الأطفال عالميا بـ ( 215 ) مليون طفل ، بينهم 13 مليون طفل عربيا ، أما عراقيا فقط قدر عدد الأطفال الذين يعملون دون السن القانونية بنحو مليون طفل .
لكن ... إذا ما اردنا الدخول بالتفاصيل اكثر عن أطفال العراق نستطيع القول ان مسحا أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بالتعاون مع وزارة التخطيط العراقية أظهر أن هناك فروقات بين الأطفال العراقيين الذين يبلغ عددهم 16.5 مليون في مجال الحصول على الصحة والتغذية والتعليم والماء والحماية والسكن والمعلومات، حيث تبين ان المسح أظهر أن هناك 1.7 مليون طفل يتمتعون بالخدمات والحقوق الأساسية وهم يمثلون فقط 10%، وأن 5.3 مليون طفل محرومون من هذه الخدمات أي بنسبة 32%، وأن 99% من الأطفال يسجلون عند الولادة، ولكن 32 من كل ألف طفل يموتون في العام الأول من ولادتهم، أي أن هناك 35 ألف حالة وفاة بين الأطفال من حديثي الولادة، وأن ربع الأطفال المولودين يعانون نقصا ذهنيا وبدنيا، كما أن إحصائيات تربوية أظهرت أن تسعة من بين كل عشرة أطفال يلتحقون بالمدرسة، لكن أربعة منهم فقط يكملون الدراسة. وان نسبة الأميين بلغت أكثر من ستة ملايين في بلد يزيد عدد نفوسه على 30 مليونا".
وبعد ... نعود إلى حكاية الطفل حيدر ونقول ان حيدر هو واحد من أولئك الصبية الذين ينتشرون في تقاطعات الطرق وزواياها، بعضهم يبيع الوقود بينما امتهن البعض الآخر بيع المناديل الورقية والحلوى وقطع القماش لمسح زجاج السيارات، بينما كان البخور والحرمل من اختصاص الفتيات الصغيرات ، ويواجه هؤلاء ممن يسمونهم أطفال "الشوارع" أنواعا مختلفة من المشاكل مما جعل بعضهم يستسلم لجبروت الشارع بينما أصر البعض الآخر على التعلم رغم كل شيء.
زميل حيدر الذي التقيته في ذلك التقاطع يدعى محمد في احد التقاطعات كان يقف "محمد" وهو ابن التاسعة من عمره كان يحمل قطعة قماش ويتوسل بأحد أصحاب السيارات ان يشتريها منه، فنهره الرجل بشدة ولم يثنِ ذلك من عزم "محمد" الذي راح يبحث عن آخرين يقنعهم بشراء بضاعته البسيطة، وبعد ان باع قطعتين كان الفرح يبدو عليه ظاهرا فعرضت عليه حينها شراء احدى القطع مقابل الحديث عن عمله وحياته.
وجدت نفسي في الشارع
فقال : لا أعلم متى بدأت العمل، فقد وجدت نفسي في الشارع احمل قطعا من القماش تارة وأتسول تارة أخرى وأبيع المناديل الورقية مرة ثالثة، وكل هذا لأحصل على بعض المال الذي قد يفي لسد رمق إخوتي ووالدتي الأرملة وأنا الولد الثالث بين ستة اخوه اثنان منهم اكبر مني يعملان أيضا.
أما عن الدراسة فتحدث "محمد" قائلا: دراستي لم أتخلَّ عنها كوني اطمح إلى إكمالها بشتى الطرق، مضيفا ان اغلب زملائي تركوا مدارسهم!
وقبل الحديث مع المختصين عن هذه الظاهرة كان لابد لنا من اللقاء بإحدى فتيات " الشوارع " ان صحت التسمية ، فكان اللقاء مع هند ، وهي فتاة أخرى التحفت بملابس بسيطة رثة ولبست فوق رأسها الصغير حجاباً ، كانت هند ذات الاثني عشر ربيعا، والتي تصر على ان عملها ليس عيبا ولا حراما ما دامت تسهم في توفير لقمة العيش لأهلها حيث تتحدث قائلة: يسموننا أطفال "الشوارع" بينما هناك فرق كبير بين المتسولين وبيننا، نحن نعاني منهم الأمرّين ونحاول ان ندافع عن عملنا في الشارع، فنحن لا نملك مبلغا من المال يساعدنا لافتتاح مشروع صغير أو محل ،لذا فلا مجال أمامنا سوى بيع بعض الأشياء الرخيصة التي قد تفي لسد متطلبات يوم واحد.
 
و"شيماء" لا تدور في الشوارع وإنما تفترش الأرض لتبيع البخور والحرمل وبعض أنواع البذور النباتية وقد تجد في دكانها الأرضي الصغير بعض الألعاب البلاستيكية ودبابيس الشعر، هي البضاعة التي استطاعت توفيرها.
حصيلة ظروف قاسية
بعد هذه اللقاءات مع " أطفال الشوارع " إن صحت التسمية كان لابد لنا من معرفة رأي الجهات المختصة بهذه الظاهرة التي باتت تؤثر كثيرا على بنية المجتمع العراقي ، خاصة بعد تسرب أعداد كبيرة من الطلبة الصغار من مقاعد الدراسة وتوجههم نحو ساحات العمل بدلا من ساحات العلم والسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به مواطنونا الكرام .
الدكتور عبد الكريم محسن أستاذ قسم الإرشاد النفسي في كلية التربية يرى أن هؤلاء الأطفال والمراهقين هم حصيلة ظروف سياسية واقتصادية عانى منها العراق خلال العقود الأخيرة وليس عيبا ان يعمل الإنسان لتوفير لقمة العيش بدلا من التسول ، ولكن المؤلم في عمل هؤلاء الأطفال هو ما يعانون منه في الشارع، فهم يتعرضون إلى أنواع العنف المختلف من الضرب والتحرش والاغتصاب والاستغلال المادي، بل عمدت الجهات الإرهابية إلى استغلال بعضهم لزجه في عمليات إرهابية مقابل المال بعد غسل عقولهم وإقناعهم بأن ما يفعلونه ليس سوى جهاد وغيرها من المسميات.
ويضيف قائلا : لقد شهدنا حالات مختلفة لأطفال لديهم إرادة حقيقية في الحياة والاستمرار في الدراسة ونتمنى ان تتابع الحكومة بالتعاون مع الجهات المختصة لانتشال هؤلاء الأطفال من الشارع، ويمكن تفعيل دور المنح الطلابية بتخصيص رواتب للطلبة المعوزين لتشجيعهم على الاهتمام بالدراسة وترك العمل في فترة الدراسة على الأقل إضافة إلى التوجيه والإرشاد المستمر لهم لأنهم قنابل موقوتة إذا ما تم استغلالهم بالشكل السيئ.
رأي اليونسيف
وقبل أن أكمل لقاءاتي مع المختصين دعوني أعلمكم بما قالته " اليونسيف عن أطفال العراق ...فقد حذرت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) من خطورة الأوضاع التي يعيشها أطفال العراق، وقالت إن 15 مليون طفل عراقي تأثروا بشكل مباشر بأعمال العنف أو يعانون الحرمان من أبسط الحقوق التي يتمتع بها أقرانهم في الدول الأخرى، وذكرت المنظمة في تقرير لها أن أكثر من 360 ألف طفل يعانون من أمراض نفسية، وأن 50% من طلبة المدارس الابتدائية لا يرتادون مدارسهم، و40% منهم فقط يحصلون على مياه شرب نظيفة، 
أما الخبيرة التربوية وداد خالد فقالت : إنه منذ الغزو الأميركي عام 2003، وقبله الحصار الظالم منذ عام 1990، تشكلت لدى أطفال العراق صور مرعبة ومعتقدات مشوهة وغير سوية تنعكس بمجملها على صحتهم النفسية، وأضافت،إن واقع الحال يشير إلى أن أطفال العراق مهملون، ولا يجدون الرعاية والاهتمام من المسؤولين في الحكومة، وكذلك من المجتمع والأحزاب والمنظمات وميسوري الحال ورجال الدين، فجميعهم مسؤولون عما يعانيه الطفل العراقي، وأضافت بأن الدستور العراقي نص على أن “تكفل الدولة حماية الطفولة وتؤمن لهم مقومات العيش بحياة كريمة”، مشيرة إلى ان الدولة لم تعمل حتى على تشريع قوانين تحرّم استغلال الأطفال في التسول أو بيعهم أو انتهاك أعراضهم، بل هي لم تعمل حتى الآن على تفعيل قانون التعليم الإلزامي. 
شعبة عمالة الأطفال
لكن ماذا عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي علمنا ان شعبة تم تأسيسها في الوزارة تحمل اسم شعبة ( عمالة الأطفال ) ومهمتها مراقبة الأطفال العاملين في المعامل والمصانع!
مصدر في الوزارة قال : ان مهمة هذه الشعبة هي مراقبة المعامل والمصانع وورش السيارات لرصد ان كان يعمل فيها أطفال واذا ما وجدنا ذلك نقيم الدعاوى عليهم ليتم تغريمهم مبالغ مالية تصل إلى مليون دينار ، وذلك في محاولة من الوزارة للحد من هذه الظاهرة ،إلا ان اغلب أصحاب المعامل يحاولون إخفاء الأطفال العاملين لديهم ، لكن الوزارة جادة للحد من هذه الظاهرة التي أثرت بشكل سلبي على الأطفال والمجتمع معاً .
حظر استغلال الأطفال
حسنا .. بعد هذه المعلومات عن عمالة الأطفال ، نسأل ما عقوبة من يعمل على تشغيل الأطفال ؟
المحامي باسم نوري قال : على الرغم من أن الدستور العراقي ينصّ في الفقرة الثالثة من الباب الثاني من المادة 29 على الآتي: "يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصورة تامة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة لحمايتهم"، إلا أنه لم يسجَّل أي حضور جاد لمؤسّسات الدولة لمكافحة هذه الظاهرة. وذلك لأسباب عديدة، منها انشغال الحكومة بملفات الأمن والإرهاب وأيضاً صعوبة المواجهة مع هذه الظاهرة المعقّدة في العراق حيث تسجَّل حالات كثيرة لأطفال يعيلون إخوتهم الأصغر سناً والذين ليس لديهم من يكفل عيشهم.
إذن ... من يوقف ظاهرة عمالة الأطفال إذا ما علمنا أن الدولة عندها الملف الأمني أهم من هذه الظاهرة الاجتماعية الخطرة ، واذا ما علمنا ان الجهات المختصة لا تستطيع إيقاف هذه الظاهرة ، لذا نستطيع القول إن الأطفال سيواصلون عملهم أمام غياب الرقابة أولاً وبحثاً عن المال لمساعدة عوائلهم الفقيرة ثانياً .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram