لم تعد لدينا شهية لكتابة مزيد من تفاصيل الاعتراض على طريقة السلطة في ادارة الوضع، وقد كتبنا تقريباً كل شيء ووضعناه بين يدي "اهل الحل والعقد" الذين تواصلنا معهم بمختلف الطرق، وهم يمرون اليوم بأقسى اختبار قد يواجهونه خلال تاريخهم السياسي، وسنكون معهم في اي خطوة لتخفيف آثار الكارثة التي وقعت.
لكنني اليوم ادلي بملاحظات سريعة تندرج في اطار متطلبات تخفيف الكارثة.
ابدأ بمحاولة البعض تحميل القيادة الكردية مسؤولية ما حصل، ولن ألاحق التصريحات والمواقف في هذا الاطار، ولست مطالبا بالقيام بوساطات سياسية خارجة عن حدود معرفتي وخبرتي، لكن اي "سوء فهم" اضافي، بين اقليم كردستان والنافذين في بغداد، واطراف التحالف الوطني بشكل خاص، سيكون هدية كبيرة لتنظيم داعش، الذي يهددنا جميعا، ويهدد حتى مراكز القوى السنية المعترضة على نهج السلطة.
كردستان شريك اساسي في وضع نواة النظام السياسي، وقد ظلت الطرف الناصح الذي يحذر من الانهيار، ولا غنى عن القادة الاكراد في كل محاولات التهدئة. ان اسوأ ما حصل لنا ليس الانهيار امام داعش، بل حصول الانهيار في ظرف تسوء خلاله علاقة فريق السلطة، مع الاكراد، والطبقة السياسية السنية "الشرعية"، والمحيط الاقليمي. ان البدء بانقاذ الوضع لن يكون بوصول مساعدة عسكرية اميركية او غير اميركية، اذ لا جدوى لكل هذا اذا خسرنا خيوط الوصل بكردستان، كشريك اساسي للشيعة وللسنة في الوقت نفسه.
اما الموضوع الاخر فيتعلق بمفتي الديار العراقية، ورجل الدين السني البارز رافع الرافعي، وتصريحاته مساء الاثنين على شاشة قناة العربية، التي ظلت طوال ١١ عاما، من اقرب وسائل الاعلام للوجع العراقي، وقد تواصل معها الجميع، لكنها وبعد مضايقات فريق السلطة في بغداد، ابتعدت قليلا او كثيرا، عن احساسها السالف بوجع العراقيين، واقول هذا رغم انني ممن يحظون بفرصة طيبة، لايصال وجهة نظرهم عبر شاشتها، واحتفظ بود لزملاء مهنيين بارزين يعملون فيها، كما اعتبر هذه المحطة حاضنة لمراجعة مطلوبة للعلاقات العراقية العربية والاخطاء التي ارتكبتها بغداد او ارتكبها العرب في هذه الظروف السوداء.
اوجه كلامي الى فضيلة مفتي الديار، دون ان اطالبه بتغيير مواقفه السياسية وقناعاته، لكننا نتمنى ان يكون من اكثرنا التزاما بما تتطلبه خطورة الوضع، فكما تفهمنا ألوان الاحتجاج "السني" على سياسات فريق السلطة، يجب علينا ان نتفهم كذلك اشكال التخوف "الشيعي" من تهديدات المسلحين، وحين ننجح في استيعاب مخاوف الطرفين، سنكون قادرين على ان نحلم بتسوية تخفف آثار ما حصل، ووضع تصور للتنازلات الصعبة التي بات على جميع الاطراف الاستعداد لتقديمها، لوقف سيول الدم.
وعلى هذا الاساس ننتظر من رجال الدين كجزء من مراكز النفوذ في هذه المجتمعات، ان يساعدوا الاخرين على بلورة مطالبهم، اما التراشق مع المرجعيات الدينية الشيعية، فسيجعلنا نخسر الطرف الذي يمكن الاستعانة به، لتصحيح الاوضاع.
يمكننا ان نواصل القتال طويلاً، ونختلف حول تفسير ما يجري، هل هو تمرد مسلح مارق، ام ثورة مشروعة، ام خليط صعب منهما. لكن هذا سيضاعف فواتير الدم بمرور الوقت. ولن يساعد الحل، ان نكتفي بالانحياز الى هذا الطرف اقتناعا بأنه مظلوم، او نقف مع الاخر تفهما لمخاوفه، الا اننا سنقترب من المطلوب حين نعترف بأننا جميعا ارتكبنا اخطاء فادحة، وتورطنا بدماء بعض، وان لا فئة ستنجح في اخضاع الاخرى، حينها سنحتاج ما تبقى من حكمة مراكز القوى الدينية والاجتماعية، لتساعد في تصحيح مسار الامور. اما تصريحات الشيخ الرفاعي على العربية، ضد النجف، فكانت خطوة تبتعد عن ما نتمناه في اطار وصفنا لممكنات الحل.
الملاحظة الثالثة السريعة تتعلق بلاجئي الموصل، الذين ملأوا السهول والهضاب، فهؤلاء ضحايا لاخطاء الجميع، وهم يمثلون حين نشاركهم مأساتهم، فرصة لنثبت لانفسنا، ان العراق كفكرة، لم يتبخر من الخارطة.
عن كردستان ومفتي الديار
[post-views]
نشر في: 16 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
monsun
سؤال واحد فقط لماذا هذا التعلق بالافراد والرموز اذا كانت من الماضي البعيد او الحاضر او المعاصر وربط انفسنا بهولاء ؟ وساجيب اعتقد لان من يتعلق هو انسان فارغ انه عبارة عن شخص فقد قدرته العقلية ورؤيته وبصيرته ووكل امره الى افراد سواء كانوا يلبسون لب