جربوا أن تحلوا معي هذا اللغز المؤلف من ستة أحرف "الكرسي" لأنني حاولت ومنذ أشهر عدة، لا جدوى، لا أمل.. في مذكرات ابنة ستالين تقول إن والدها كانت تأتيه الهدايا من معظم بلدان العالم، لكنه كان يعتز بالكراسي التي تهدى اليه ، وكان أبرزها كرسي مرصع صنع في الصين.
يعرف قاموس اكسفورد الكرسي بأن له "أرجلاً ومقعداً وظهراً".. واصل كلمة "كرسي" كما جاءت في قاموس ابن منظور "لسان العرب": هو "كراس" بناء يجلس عليه، ويطلق على السرير أيضاً، ويقال "اجعل لهذا الحائط كرسياً"، أي ما يعمده ويمسكه. والعرب نظرت الى الكرسي كبدعة ففضلوا عليه "التخت" وفرشوا عليه السجاد والوسائد ليستلقوا عليه بارتياح، وقد ذهب إعرابي لزيارة معن بن زائدة فوجده جالسا على تخت وثير فهجاه قائلاً:
"أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الذي أعطاك ملكا
وعلمك الجلوس على السرير
قبل فترة اطلعت على كتاب طريف بعنوان "ألف كرسي" مؤلفته شارلوت فيل، تخبرنا فيه أن الكرسي علامة على المكانة الاجتماعية والرسمية، ويعكس نفسية من يجلس عليه، وتضيف أن الإنسان عادة يفضل الكرسي الجميل والمهم ، لكنه ربما لا يختار المريح.. وتذكر المؤلفة ان الآشوريين اول من صنعوا الكرسي وان الصينيين طوروه، وان الأميركيين اخترعوا النوع الهزاز وأشهر هذه الكراسي الذي استعمله الرئيس جون كنيدي لأنه عانى من آلام في ظهره بسبب جروح إصابته خلال الحرب العالمية الثانية حيث استعمل الكرسي في الكونغرس عندما كان عضوا فيه، ونقله إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، عندما فاز بالرئاسة، ووضع واحدا مثله في منتجع كامب ديفيد، وثالثا في الطائرة الرئاسية ليرافقه في رحلاته في الداخل والخارج، وكان هديته المفضلة لأصدقائه وللملوك والرؤساء الذين زاروا الولايات المتحدة، واشتهر منذ ذلك الوقت باسم الكرسي الهزاز.
ينبهنا سارتر الى ضرورة مراقبة الطريقة التي يتحدث فيها الحكام وهم يجلسون على كرسي السلطة والى مراقبة المفردات التي يستخدمونها والتي تختلف حسب قوله عن المفردات التي تستخدم عندما يلقي الحاكم خطابه وهو واقف، يحلل سارتر الظاهرة، مؤكداً ان الحاكم يتحسس كرسيه كلما تحدث "ان الحاكم يعرف كل هذا ويضحك كلما اكتشف ان وجوده مرتبط بهذا الكائن الصامت "الكرسي " هو يعرف ان هذا الكائن يشحذ فيه أسلحة الدفاع عن النفس ويحول الخسائر الى انتصارات ".
ولاننا قوم قوم الكراسي فان حكامنا عمرهم أطول من اعمار كراسيهم، لا تستطيع قوة ان تزحزحهم عن حكم البلاد، لا يهتز لهم جفن فهم يدركون جيداً ان شعوبهم خانعة، خائفة، لا تملك الا الصمت ولا يصلح لقيادتها الا حاكم يعشق كرسيه، حكام أبطال في قهر الشعوب، قادرون على أن يقرروا بأنفسهم كل شيء، طالما قلوبهم تنبض.. ليس مهماً أبداً أعداد القتلى من الابرياء ولا قوائم الارامل واليتامى ، ولا الأمن الذي يذهب ضحية اللامبالاة، ولا تزييف إرادة الناس، فالحاكم يظل مبتسما على الرغم من انتشار الأمراض كالفساد والخراب والقتل على الهوية ، لانه ينعم وحاشيته بخيرات "الكرسي"، وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى.
مازلت اصر بالعودة إلى دروس الشعوب وفي واحدة منها نقرأ ان زعيمة حزب المؤتمر الهندي صوفيا غاندي فازت عام 2004 بأكثر أكثرية في التاريخ 700 مليون اقترعوا لها..وحين وجدت ان الاقلية السياسية ترفض توليها منصب رئاسة الحكومة.. لم تخرج على الناس بخطاب ثوري .. ولم تعد العدة لمظاهرات مليونية ، لم تفعل سوى ان قالت انها لن تكون محنة للبلاد، وبكلمات مؤثرة خاطبت الملايين التي انتخبتها : " لااريد ان اكون فتنة .. ولن اقبل ان اكون رئيسة للوزراء بالاكثرية الساحقة فقط .. اريدها بالاجماع الجميل "
اما نحن المساكين الذين اتعبتهم اخبار الصفحات الاولى.. لاندري متى نعيش في ظل ساسة ومسؤولين يقدمون امثولة للتاريخ حين يفاجئون العالم بان الوطن ابقى من الكرسي .. اخبار الصحف الاولى تؤكد ان لا امل في الافق ..فنحن مع ساسة يسيرون الى التاريخ والكرسي لاصق بمؤخراتهم.
الكرسي ابقى من الوطن
[post-views]
نشر في: 17 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
فالح الربيعي
ان الزعامات العربية عامة والعراقية خاصة لم ولن يتركوا هذا الكرسي بكا مواصفاته وانواعه ابدا الا بالقل او الاقلاع عنوة عنه تحياتي لك استاذ على فقد احسنت واتممت ووثقت ....
فلاح الخفاجي
عزيزي علي حسين مقال أصاب كبد الحقيقة وهذا ينطبق على جل الحكام العرب واغلب المسلمين أتسائل إلا ينسحب كلامك هذا عائلة البارزاني سيما وان الجميع على اطلاع عن الطريقة التي سمحت له بالبقاء على الكرسي لسنتين غير دستوريتين . أمل ان لانغفل جانب دون الآخر . للعلم
كاترين شميت
احسنت واللة
أبو همس الأسدي
ألا ترى استاذ علي أن للكرسي تأثير قوي على الجميع في العراق ؟؟وحتى تلك الكراسي البائسة التي لاتحمل غير المسؤولية ووجع الرأس والفاقدة للأمتيازات !ويتهافت عليه متساقطين من مواقع شتى مناضلين سابقين ومثقفين وأكاديميين ومن حملة شهادات عليا ؟؟ !فكيف بك ومزايا كر