كثيرون، على فيسبوك خاصة، يعتقدون، لأننا كتاب واعلاميون، اننا نمتلك الكثير من المعلومات فيأتونا بأسئلتهم الحائرة. أمس وجدت أحدهم قد كتب لي رسالة خاصة يحلفني بها بروح والدي ان اجيبه على سؤال يقول انه قد دوّخه. كتبت له تفضل يا صديقي. سأل: بماذا تفسر غياب انصار المالكي عن فيسبوك، وإن وُجِدوا فما عادوا يشتموننا كعادتهم عندما ننتقد اخطاءه؟ اجبته بصراحة اني لا امتلك جوابا لسؤالك حتى اللحظة، لا بل ولم انتبه لاختفائهم او امتناعهم عن الشتم. ربما لم يرتح لجوابي او انه اعتبرني اتهرب. عاد وسألني: اما تعتقد انهم صاروا على قناعة بان المالكي ضمن الولاية الثالثة بفعل الظروف الحالية؟ وما الذي تبقى في الولاية حتى تقول انه او انهم ضمنوها؟ ما افتهمتك دكتور. حسنا، سأروي لك حكاية شهدت احداثها بنفسي. فلعلك تجد في فحواها ما يفسر لك معنى قولي، واستأذنك بكتابتها في عمودي غدا فانتظرها ان أحببت.
هذه هي الحكاية التي اسبقها بملاحظة قصيرة. وهي اني استبدلت بعض أسماء شخوصها الأحياء احتراما لخصوصيتهم:
في القطاع الذي كنا نسكنه بمدينة الثورة في العام 1969 كان يعيش في شارعنا رجل طاعن في السن نسميه "أبو ستار" ومعه زوجته. شاع بيننا ان أولادهما تخلوا عنهما وهما في هذه المرحلة الحرجة من العمر. ماتت زوجته الحاجة وبقى لوحده يتدبر امره. كان في القطاع شاب اسمه "عناد" اشتهر في انه يعرف علامات قيام الساعة ويجيد قراءة الطالع. لا يمر يوم الا ويزور الشيخ ابي ستار. كلما يخرج منه يحدثنا عن بطولات الشيخ التي من بينها انه نجح يوما في اسر مجموعة من الجنود الهنود بزمن الاحتلال البريطاني للعراق لكنه اطلق سراحهم. ليش؟ حسب رواية "العالم" عناد انه أخذ منهم فدية تساوي كنز. وما هو الكنز؟ ما اكلكم هذه امانة. زين، هل ما زال الكنز عنده؟ نعم. فهمنا من مجريات سرد عناد ان سبب تخلي أولاد الشيخ عنه انه يرفض اعطاءهم الكنز.
ذات يوم مات الشيخ. وفي يومها شاهدنا أولاده الخمسة جميعهم. بعد ان انتهت مراسم العزاء، بأسبوع تقريبا، كبّت العيطة بين ابناء الشيخ في داره التي قرروا بيعها وتقاسم ارثها. هلعنا صوب ميدان المعركة واذا بالابن الأكبر يمسك خنجرا بيد و"صخرية" باليد الأخرى. الباقون تسلحوا بت (تواثٍ) وسكاكين من النوع المطبخي. كان هناك عناد أيضا. عمّ يتشاجرون يا عناد؟ عن الكنز. وينه؟ أشّر بيده صوب صندوق يشبه "الفاتية" مرصع بزخارف من الفضة. فهمنا انه الذي أعطاه الهنود للشيخ يوم اطلق سراحهم. يابا عود ليش كنز؟ صرح عناد بانه يعادل وزنه ذهبا لأنه تحفة هندية تدفع الهند ملايين من اجل استردادها.
نسى الأبناء الدار وصار كل يدعي ان الصندوق الكنز من حقه. اقسم الأخ الأكبر بانه لن يعطيه لأحد الا على جثته. وصيحة من وهنا وأخرى من هناك طالت توثية احدهم الصندوق فهشمت جزءا منه. تسودن الأخ الأكبر فضرب بـ "صخريته" برأس أخيه وأسقطه ارضا مضرجا بدمه. صاحت اختهم وهي جاثمة على الصندوق من عساه صندوق الأسود، ثم رفعته ولطشته بالأرض فتحول الى خردة. عندها فقط هدأ الموقف وقرر الجميع الرحيل الا الأخ الأكبر الذي نادى على اخته الصغرى: شو انت ما قلتي شي عالصندوك؟ ردت عليه: خوية يا صندوك المخفّت هوّه ظل بيه حظ .. بالعافية عليك خله الك!
صندوق "أبو ستار"
[post-views]
نشر في: 20 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
Balkans
السيد هاشم العقابي السلام عليكم, انك شخص معروف ولكنك لاتعرفنا, أي لاتعرف جميع قرائك. وانا احد المعجبين بمقالاتك الموسومة بكلماتها البسيطة ومعانيها العميقة وبعبارات شعبية وبكلام (الجلفي) بدون تكلف ويمتاز مقالكم بصبغة المزاح والهزل وايصال الفكرة والمغز