كان يخشى أن تتلصص عين أمنية على أفكاره فتقرأها ذلك انه أودعها اغلى أحلامه واهمها وأكثرها قربا من حكم الإعدام ..كان يحلم بسقوط النظام ..اش ..اش ..لايريد ان يبوح لأحد بذلك حتى ولو لنفسه فالعين قد تفضح أفكاره واللسان قد يزل يوما فلا يكفي قطعه للتكفير عن إثم صاحبه ..وهكذا ، اعتنق الصمت مذهبا واعترف بضعفه البشري أمام ذاته ، فوضع مبادئه وأحلامه على الرف بانتظار يوم الخلاص ..
حين سقط النظام السابق ، كان من بين أوائل المهللين لسقوطه والداعين إلى قيام سلطة بديلة لاتضع إشراكا للكلام ..اطلق عصافير أفكاره من حجرات رأسه فحلقت في أجواء جديدة ..غازل المفردات الممنوعة فاستجابت له وطرق الابواب المغلقة فانفتحت له ..ولم يخل الأمر طبعا من تضحيات جسيمة وقد رضي بها وعدها ضريبة لماض اقل مايوصف به انه فاجع ..بالتدريج عجزت أفكاره الطليقة عن إيجاد أصداء لها فكل يبكي على ليلاه والأفكار الخيرة والنوايا الصادقة وحدها لاتفي بالغرض ..
جرب ان يتحدث باسم التعقل وحب الوطن ورفض العنف والقتل فوجد من يتهمه بالميل نحو جهة دون أخرى ..رفض الفساد والتمسك بالسلطة والخروج عن أهداف الديمقراطية التي ينشدها فقيل عنه انه معارض للسلطة وعده البعض بلبلا خاسرا يغني خارج سربه ..لم يتمكن من مجاراة أخطاء المخطئين وظل يرفض الاعتراف بالميل نحو طائفة او كتلة او حزب ما فهو مازال يهفو في أعماقه لعالم خال من ملامح الدكتاتورية والجور الذي عانى منه طويلا ..
أصر على اطلاق صوته بما يقتنع بانه صائب وظل يطارد الأخطاء بسلاح الحق والمبادئ وبنود القانون فوجد القانون الذي وصفه صدام حسين من قبل على انه (جرة قلم ) يشبه رداء فضفاضا أو قطعة من الصلصال يمكن تشكيلها حسب طلب المسؤولين ومطامحهم السياسية ومصالحهم الشخصية..
وجد ان صراحته وصدقه لم يحركا الماء الساكن إلا لدى من يشبهه وهم قلة ،فالصدق انتفى والشك والخوف يحاصرنا دون رحمة ..أما الوجوه والكلمات فتعكس حالة مثالية وتطالب ب( وحدة وطنية ) و( تلاحم ) و( نبذ للأحقاد ) لدرجة ان من يتشدق بها يحاول التشبه بالأنبياء في مثاليته لكن زمن النبوة انتهى تماما وسلوكيات المسؤولين تناقض ادعاءهم النبوة وتحيل العراق إلى فريسة تحوم حولها الذئاب ..
شعر بأنه يحارب الطواحين كما فعل دون كيشوت مادام عاجزا حتى الآن عن الإشارة للفاسدين والظالمين والقتلة دون ان يتحسس رقبته جيدا أو يدفع عنه على الأقل تهمة الخروج عن المعتقد أو الطائفة اذا وضع إصبعه على مواطن الخلل فيهما..
في النهاية ، قرر ان يحبس أفكاره من جديد في سجن دماغه ليس خوفا بل انتظارا لصحوة ضمائر أخرى تدعو إلى تحقيق مصلحة مشتركة وإنقاذ حقيقي لهذا البلد الغاصّ في وحل الإرهاب والأحقاد والثارات الشخصية والفساد السياسي ..انه ينتظر وسينتظر خروج البلد من آثار ماض رهيب وحاضر فاجع عسى أن يحمل المستقبل بصيص أمل ..
بلبل خارج السرب
[post-views]
نشر في: 20 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أبو همس الأسدي
نعم أخت عدوية ..قلة, من امتلك الشجاعة للتخلص من ضعفه البشري وتحرير قناعاته من أسرها المزمن الذي يقيده الخوف والأنتظار السلبي الآمن ؟؟ولكن صدقهم ووطنيتهم قد حرك الماء الراكد والأستكانه غيرالمبررة لدى الكثير ممن لازال يشعر أن القهر الصدامي لم ينتهي بزوال نظ