الجميع شركاء في الأسباب والنتائج. ونقول من يعتقد بأن سنوات العقد الماضي كانت كافية لتأسيس جيش قوي: نعم، كافية جداً. لكننا اغفلنا من حيث نعلم أو لا نعلم بناء مجتمع قوي مدني، وطني متماسك، حتى خلصنا إلى عقيدة فاسدة تقول بان الوطن نفلٌ يأتي بعد فرض الدين والطائفة، ناسين ان الأرض وُجِدتْ قبل العقائد والأفكار، قبل الأنبياء والحكماء.
خلال السنوات الماضية فشلت الحكومة في بناء الدولة على أساس المواطنة، التي جرى الانتقال منها إلى فقدان بنية المجتمع المدني، وصار السعي لبناء الطائفة والتضييق فيها، أسبق من كل بناء، وبات اعتقاد العامة في الوسط والجنوب خالصاً لدى الاحزاب والفرق والتكتلات الدينية بأن حماية الطائفة أولى من بناء الانسان، ومثل ذلك ذهب سكان الغربية وشمال بغداد حتى لم يعد للإنسان قيمة خارج الأطر تلك، خارج الزمن الجديد الذي يجب أن يسعى الجميع لبناء الوطن والرفق بالإنسان فيه، والارتقاء به إلى اعلى المستويات. وقد وجدنا كيف تراجعت القيم الإنسانية لدينا بحيث ذهب الجميع لقتل الجميع، لا لمنفعة في الحياة إنما لـ"مثوبة" فاسدة.
والأخطر، ان العراقي ظل يبغض أخاه داخل البيت الواحد احيانا، لأنه ينتمي لحزب غير حزبه، وتمددت البغضاء مثلما تتمدد أفعى طويلة كريهة حتى صار البعض الغالب من السكان يفرح لأنه نال من شقيقه، صديقه، ابن مدينته، في معتقده، وأقام الحجج على فساد عقيدته، فتشقق المجتمع طوليا وعرضياً وصرنا نقع على اقوال وأشعار ومقاطع فيديو تسخر من رجل الدين هذا وتفسق الشيخ ذاك. وفي بحر من سنوات عشر، اضعنا الحب والتودد والتسامح بيننا، ذلك لأننا اهملنا جوهر وجودنا الانساني وانجررنا وراء من اوهمونا بالجنة وبغّضوا الينا النار، جنتهم ونارهم، لا جنة الله التي أرادها لنا من خلال احتفاظنا بالقيم العليا للإنسانية، ومن خلال محبتنا لبعضنا لا من خلال الانتماءات الضيقة.
يقول صديق يقيم في أمريكا بانَّ أيَّ حديث دينيٍّ عِرقيٍّ يفاخر فيه أحدٌ ما في موقع عمله موجب لفصله من العمل نهائياً، والقوانين في أمريكا وأوربا تجرّم من يتحدث بالتمييز على أساس الدين والطائفة والعِرق، وهذا يعني أن الدولة راعية للسلوك العام، وضابطة لكل مفاصل الحياة، ولا تسمح بتشقق المجتمعات، حتى صار بمفهوم الجميع بأن الوطن قيمة عليا وكل ما دون ذلك يأتي بالدرجة الثانية، ولا ولاء أعلى من الولاء له، وبحكم ثقافة مدنية صار بعلم الجميع أن الدفاع عن الارض والإنسان والقيم موجب للاستشهاد والمفاخرة بين الأسر.
اليوم يجني الشعب برمته ما لاكته ألسن خطباء المنابر، وهم يحشدون الناس حواليهم، من كلا الفريقين، وهم ينبشون الكتب القديمة، ويطوحون بالمصاحف وكتب الاحاديث والسير في مناسبة وغير مناسبة، مكفرين هذا ومفسقين ذاك، في ظل غياب للضمير الحي المسؤول من جهة، وفي قبول وصمت من المشايخ والحكومة معاً على ذلك، كانوا يعتقدون بأن انتصاراتهم على المنابر لا يقع نجيعها على الأرض، ولا فداحة فيه، وها نحن على ما نحن عليه من الفرقة والهوان، تستباح أرضنا ويقتّل رجالنا، نستجدي المعونة من أمريكا وغير امريكا، ونحن الأقوياء لو شئنا.
فقدنا الوطن حين احتفظنا بالطائفة
[post-views]
نشر في: 21 يونيو, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
عدنان محمد
استاذ طالب خطابك اليوم جيد حيث لامست فيه الجرح النازف وهو اننا أزاء خطاب ترعاه الدولة بكل قوة وهو الغاء النزعة الوطنية العراقية والمواطنة واستبداله بوعي الطائفه المستعدة للانتقام ، ومارأيناه امس واليوم من مظاهر التسلح في البصرة دليل على استعداد الدولة للع
ابو سجاد
بارك الله فيك وهاذا ماحصل واليوم ندفع ثمن السياسات المتهورة والمنابر المحرضة