لم تعد الحرب بندقية ورصاصة، ولا مدفعاً وقذيفة ولا طائرة أو صاروخاً وقنبلة فحسب .. انها الآن صورة وكلمة قبل كل شيء... بهذا "السلاح" انتصرت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا.
وعندنا في العراق، بهذا "السلاح" نفسه حقق (داعش) وحلفاؤه تقدمهم المذهل من الموصل الى مناطق واسعة في محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى... عناصر هذه التنظيمات المسلحة دخلت الى الموصل بـ"مؤامرة" و"خدعة" .. ممكن، لكنها اكتسحت باقي المناطق بالصورة والكلمة، فالفضائيات التي بثت تقاريرها من داخل الموصل وخارجها عن فرار الجنود والضباط هي التي شجّعت الضباط والجنود في سائر المناطق على إلقاء أسلحتهم ولباسهم العسكري والفرار.
الإعلام غدا الشاهد الأول والشريك الأكبر في كل العمليات الإنسانية والطبيعية، من حروب وكوارث طبيعية واجتماعات وحفلات وألعاب رياضية وتعليم وعمليات جراحية ومزادات ومحاكمات وصفقات وجرائم فردية أو جماعية ورحلات الى الفضاء الخارجي وفي أعماق المحيطات.. الخ.
إن كسبتَ الإعلام كسبتَ الحرب، واجتذبت الزبائن لخدمتك أو سلعتك، وعقدتَ الصفقات الناجحة وحققتَ المتعة.
ثمة قاعدة ثمينة يتعيّن على من يتعامل مع الإعلام أن يُدركها، هي أن هذه الصنعة تحبّ من يحبّها وتخاصم من يعاديها، وصديق الإعلام ناجح وفالح وعدوه خاسر ومندحر. وحبّ الإعلام لا يكون بالسعي الى شراء وسائله ورشوة العاملين فيه .. حبّ الإعلام يكون بالتزام الشفافية حياله .. كنْ صريحاً وصادقاً وأميناً مع الإعلام يكن صديقك المخلص.
حكومتنا لا تُدرك هذه الحقيقة.. انها تفكر بالعقلية نفسها التي كانت للانظمة الشمولية كأنظمة صدام والقذافي والأسد (الاب والابن). تعتقد ان تقييد حرية الإعلام وتكبيل ارادة الإعلاميين بالإجراءات القسرية (الإغلاق والتهديد بالاعتقال والسجن) هي الطريقة المثلى لكسب المعركة.. وهذا ما يجري الآن.. انه تفكير سقيم.
الحكومة منعت فضائية "العربية" وشقيقتها "العربية الحدث" من العمل في بغداد ومدن الوسط والجنوب، فماذا حصل؟ .. القناتان من أكثر القنوات الفضائية مشاهدة في العالم العربي وخارجه، وفي العراق لهما حصة معتبرة من المشاهدة.. الآن الحكومة هي الخاسرة بإجراءاتها، فلم يعد في مستطاع القناتين تغطية المؤتمرات الصحفية الحكومية أو نقل تصريحات المسؤولين الحكوميين أو مراجعة وتدقيق المعلومات التي تتوافر عليها القناتان من المصادر الأخرى .. في المقابل فان الإجراءات الحكومية لم تنجح في منع القناتين من استنطاق الطرف الآخر (داعش وأخواته) ومن إذاعة بياناته وتصريحاته.. بنفسها أخلت الحكومة هذه الساحة لداعش وحلفائه مثلما أخلت قوات الجيش والشرطة ساحات المواجهة في نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى من دون مقاومة. وينطبق على موقف الحكومة من الشقيقتين "العربية" مثلنا الشعبي القائل: زعل العصفور على بيدر الدخن!
نعم، الحكومة خسرت، فيما "العربية" و" العربية الحدث" لم يتأثر بثهما، ولم تسقط شعرة واحدة من رؤوس العاملين فيهما... بل ان داعش وأخواته الرابح الأكبر.
الذين اتخذوا القرار في حق القناتين كانوا على خطأ.. والاعتراف بالخطأ فضيلة، والعودة عنه فضيلة أكبر.
عصفور الحكومة وبيدر "العربية"
[post-views]
نشر في: 21 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
Hayder Karton
وسائل الإعلام باتت اليوم أكبر مشكلة في مجتمعاتنا وخصوصاًالفضائيات التي تتناقل الأخبار وتصنع الأزمات من خلال نقلها الخبر السياسي الذي عادة ما يكذب بعد حين أو يهول ويضخم وتجبر المتلقي ان يتفاعل مع الخبر من خلال طريقة طرح الموضوع.وهكذا صنعت الطائفية من خلال