هل يمكن أن نتخيّل عالماً لم تظهر فيه الكتب ولم يكتب فيه تولستوي ملحمته الشهيرة عن اندحار نابليون " الحرب والسلام " هل يمكن معرفة مساوئ الدكتاتور دون التبحر في حكاية جورج اورويل في العام 1984. من سيبقى من تاريخ العراق؟ المتنبي وعلي الوردي ام عباس البياتي وصالح المطلك؟، قصائد الجواهري ام خطب الجعفري؟
بالأمس وأنا اشاهد احدى الفضائيات التي حولت المعركة مع الارهاب الى اناشيد واهازيج اعادت لنا رائحة ام المعارك متناسين اصحاب هذا " التلفزيون " ان الإعلام تطور كسلاح تطورا جذريا عندما تحوَّل من الخديعة إلى الحقيقة ، وصار التلفزيون في كل بيت ومعه صور الخراب والموت وتجار الحروب. لكننا في العراق لا نزال نصرُّ على أن نعيش في عصر اخبار الساعة التاسعة ، وحكايات محمد سعيد الصحاف.. لا يريد البعض أن يدرك أن الإعلام قد دخل عصر الحقائق، وأن غوبلز أصبح من الماضي.
في واحدة من اجمل رواياته "الصعود الى الهواء" يحاول جورج اورويل الاجابة على سؤال مهم " كيف تحارب الوحوش " .. كان هذا السؤال يؤرق اورويل وهو يرى صعود الافكار النازية والفاشية، لذلك نراه يروي لنا على لسان بطل الرواية كيف انه دعي للاستماع الى محاضرة بعنوان "خطر الفاشية" يلقيها سياسي قادم من نعيم لندن يريد ان يبث العزيمة في نفوس البسطاء والضعفاء، بعد أن يستمع البطل إلى المحاضرة نراه يصف لاحد اصدقائه شكل هذا الخطيب "كان صوته يصلني على شكل غير مفهوم، وكانت تأسرني من حين لآخر عبارات مثل الوحشية والبهيمية والنوبات الشنيعة من السادية والعودة إلى عصور الظلام... استمتعت برؤية هذا الرجل ذي الوجه الأبيض والرأس الأصلع وهو واقف على المنبر يطلق الشعارات. بشكل صارخ، باذلا أقصى جهده لجعلك تكره كل من حولك ، غريب جدا منطق هذا السيد المشهور، لقد أصبحت الخطابة صنعة ومهنة غريبة " .
وانا اقلب صفحات الرواية تساءلت مع نفسي كم خطيب مثل هذا الاصلع يعيش بيننا ، ممن لا يجدون غير لغة التحريض ، وقبل ان اجيبك على هذا التساؤل، انقل لك توصيف بطل أورويل الى أداء هذا الخطيب فيقول " توقفت عن سماع كلمات المحاضر الذي يمكنه الإستمرار في الكلام لمدة شهر دون توقف.. شيئ فظيع. كأنه أورغ بشري يطلق نفس الدعايات عليك على مدار الساعة المرة تلو الأخرى مكررا الكره الكره الكره. حتى تشعر أن شيئا ما دخل إلى جمجمتك وهو يطرق على دماغك بقوة.. اغمضت عينيّ للحظة وقلبت الطاولة عليه فدخلت إلى جمجمته لمدة ثانية، رأيته يتخيل نفسه وهو يُحَطِّم وجوه الناس".
لم تكن زوجة بطل الرواية تشاركه هذا الراي بالخطيب فقد كان أكثر مايصدمها في زوجها هو هدوؤه، فهي على حد وصف الروائي " يسيطر عليها الإحساس بوجوب إثارة القلق وخلق جو من البؤس بسبب الشعور بالواجب، .. إنها هيلدا التي تنجح دائما في قول شيء يثير الكآبة حالما تطأ قدمك عتبة البيت. إنها تفعل أي شيئ بطريقة سلبية.. إنها من الأشخاص الذين تكمن موهبتهم ومتعتهم الأساسية في الحياة باستباق وقوع المصائب الصغيرة فقط لأنها لا تهتم بالكبيرة منها كالحروب والمجاعات والزلازل والأوبئة والثورات "
بالطبع لا يمكن لعاقل أن ينكر خطورة الفاشية والارهاب على مصير ومستقبل البلدان، لكن هذا العاقل أيضا ينبغي أن يدرك أننا لن ننتصر لمجرد أن نتحول إلى مطربين وخطباء نردد كلاما شديد السذاجة ونطلق أحكاما شديدة الطائفية ونبارك أو حتى نصمت على أفعال يرتكبها بعض ممن وجدوا في الحرب ضد داعش متنفسا لهم يستعرضون من خلاله قوتهم في الشارع ، ويثيروا الخوف في نفوس الاخرين ، أو الإعتداء على ابرياء عُزّل بإسم محاربة الارهاب، وهو نفس مايفعله مجرمو داعش ضد ابناء الموصل وتكريت.
اعلام الساعة التاسعة
[post-views]
نشر في: 22 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
داخل السومري
ونحن العراقيون في محنتنا هذه لدينا خطيب رواية أوريل الا وهو فيلسوفنا الروزخوني ابراهيم الجعفري الذي يعتقد انه سوف يغير المجتمع بخطبه الروزخونيه التي يجمع مادتها من كتب دينية محشوة بسخافات وخرافات ما انزل الله بها من سلطان.قلت انه يريد ان يغير المجتمع ليس
ابو سجاد
للاسف لم يتغير لا علقية السياسي ولا عقلية الاعلامي هي نفسها اليوم كما كانت في النظام الدكتاتوري السابق صاحب كوم بيه وعلى الزلم خليه واليوم نفس الاهازيج الكريهة وربما اكثر نتانه وقبح نشم فيها رائحة الحرب والطائفية والعنصرية النهج لم يتغير ولكن الوجوه تغيرت