بدون مقدمات أقول: ان بيان داعش حول جلد من يقول "داعش" اعتراف صريح من قبلها بان هذا الاسم يزعجها. والإزعاج، من الناحية النفسية، انفعال. وهو مثل الخوف قد يسهم بإضعاف معنويات المنزعج. وهنا كان يجب على قادة الحرب النفسية ان يمطروا الموصل بمنشورات من الجو أو من خلال مدافع مخصصة لهذا الغرض تحمل اسم داعش بالخط العريض مع عبارات تسخر منها. بعضها يخصص لمخاطبة أهل الموصل وبعض للدواعش انفسهم.
لقد اعتمدت القوات الأمريكية أسلوب إلقاء المنشورات على الجيش العراقي في أيام اجتياح العراق. كان بعض منها ركيكا وبعضها كتب بإتقان. حين سئل قائد عسكري أمريكي عن سبب تلك الركاكة أجاب بأن هذا النوع كنا نقصد به إشغال القوات العراقية فقطـ، لأننا لاحظنا انزعاج صدام من المنشورات وانه امر جنوده بجمعها وإتلافها. ان إشغال العدو بأمور جانبية وحده مكسب كبير. لو ان هذه المنشورات انتشرت في المناطق التي تحتلها داعش او التي تنوي احتلالها فستدفعها نرجسيتها وانزعاجها إلى الانشغال بها وقد يربك تحركاتها. الأمر يتوقف على درجة فهم من يقوم بالمهمة من قبل الجانب العراقي.
لا يخطر ببالكم إنني افكر بالدواعش، اكثر مما افكر بأهل المناطق التي احتلوها. إهمال أبناء تلك المدن واحد من ابرز نقاط ضعف الحرب النفسية العراقية في هذه الأيام. لم نسمع في الإعلام الحكومي أغنية واحدة أو قصيدة بلهجة أهل الموصل أو الحويجة أو حتى الأنبار. يبدو وكأن الحكومة تنازلت بالكامل عن أهل تلك المناطق لداعش وركزت إعلامها نحو أهل الجنوب.بصراحة اكثر، توجهت نحو الشيعة وتركت السنة لإعلام داعش.
عندما استعمل صدام حسين الأغنية والشعر الشعبي في الحرب لم نسمع أغاني أو قصائد مصلاوية بل أغان جنوبية. لماذا؟ لأن صدام كان خائفا من ولاء أهل الجنوب بينما كان مطمئنا إلى حد بعيد من ولاء أهل الغربية. السبب إدراكه بانه همش أهل الجنوب، ولأنه، كان يخشى التعاطف المذهبي مع ايران. هذه حقيقة.
دعا صدام بنفسه شعراء الجنوب الشعبيين واغدق عليهم بالعطايا الخيالية. كان يريد ان يخاطب اهل الجنوب بلهجتهم ليسيطر على عواطفهم. الغريب ان إعلام المالكي يعود اليوم لاستخدام أسلوب صدام نفسه: شعر شعبي جنوبي وهوسات وأغان جنوبية! القائمون على الإعلام الحكومي يقلدون نسخة الإعلام الحربي الصدامي تقليدا اعمى. غير المؤهل للقيادة دائما تتجه بوصلته نحو الاتجاه الخاطئ. هل يحتاج إعلام السلطة لتحشيد الجنوب اليوم؟ كلا. ففتوى المرجعية وفت وكفت. كان صدام بحاجة ماسة لتحشيد اهل الجنوب. لكنهم اليوم محتشدون بأعلى درجات الحماس.
في واحدة من أغاني الحرب الجديدة شاهدت محمد الشبوط ونوفل أبو رغيف يغنيان ضمن مجموعة كبيرة! هل لأهل المناطق التي تسيطر عليها داعش شأن بهما؟ أما كان الأجدر ان تكون هناك أغان بكلمات وألحان أهل الغربية ويؤديها مطربون لهم شعبية أو سموها "مقبولية" لديهم؟
من يفشل في إدارة الحرب ميدانيا، ولا يمتلك الشجاعة للاعتراف بفشله، لا يمكن ان يجيدها نفسيا. كما ان عدم إعطاء الخبز بيد خبّازته بلاء قد يجر البلاد إلى هاوية الفوضى إن لم يكن بالفعل قد جرها إلى حيث غياب العقل وتحكم الجهل بأرواح الناس.
وازعجوهم حيث ثقفتموهم
[post-views]
نشر في: 24 يونيو, 2014: 09:01 م