الحرب، كل حرب، جبهتان.. جبهة أمامية عندَ ما يُعرف بخطوط النار، حيث تُعسكر القوات بعدتها وعديدها وتتحرك مشتبكةً بالسلاح الحي مع العدو.. وجهة داخلية تمتد على اتساع مساحة البلاد بمدنها وقراها.. وهذه ببشرها في المقام الأول.
وبأهمية توفير المستلزمات الحربية من أسلحة ومعدات متطورة وكافية، وعديد مناسب، وتدريب أصولي عالي المستوى، وخطط سليمة ومرنة، وقيادة ميدان وقيادة أركان كفء، تكون أهمية تهيئة الجبهة الداخلية لتحقيق النصر والتي تشمل القوة المدنية للدولة ونشاطاتها الداعمة للمجهود الحربي، وهذه تتضمن الاقتصاد واستعدادات الطوارئ والحالة المعنوية للسكان.
من المفترض ان حال الحرب التي تعيشها دولتنا ومجتمعنا منذ عشر سنين، قد بلغت مرحلة الذروة منذ العاشر من الشهر الجاري، فنحو ثلث مساحة البلاد، بينها ثانية المدن، صارت تحت سيطرة قوى مسلحة معادية تسعى لاستكمال زحفها نحو العاصمة لإسقاط الدولة برمتها وإدارة شؤون البلاد بأكملها.
الجبهة الأمامية كانت ممهدة ومجهزة تماماً للعدو كما تبين! ويجري الآن تهيئتها لردّ عدوان تنظيم (داعش) وحلفائه، فالبيانات والتصريحات الرسمية تبشّر بمنازلة فاصلة مع العدو، لكن ليست لدينا، نحن ناس الجبهة الداخلية، فكرة واضحة عن هذه التهيئة وعن الوقت الذي ستستغرقه.
على هذه الجبهة، الداخلية، لا نلحظ بعد أي تهيئة أو إعداد، فلم نسمع ان وزارتي الزراعة والصناعة، على سبيل المثال، قد بحثتا في الخطط المتعلقة بتنشيط هذين القطاعين الحيويين لمواجهة متطلبات الحرب المقبلة.. كل ما سمعناه انه أصدرت الأوامر الى سلطات الحدود لتسهيل مرور البضائع من الجيران الى الأسواق المحلية، لكن هذه الإعلانات لم تنفع في تماسك الجبهة الداخلية التي ضربها القلق من ارتفاع الأسعار للسلع الحيوية على وجه الخصوص، كالأغذية.
لم نلحظ أيضاً إجراءات أو إعلانات عن إجراءات تتعلق بحال الطوارئ من قبيل اعداد السكان للمساهمة في الدفاع عن مدنهم وأحيائهم وقراهم، أو تمارين على مواجهة الحرائق والإصابات.
وعلى الصعيد المعنوي لم نلحظ سوى إعادة إنتاج للظاهرة الذميمة التي تفشّت في عهد نظام صدام، من هوسات وشعر مديح وأغان "وطنية" تعافها الأنفس، وهو ما ترافق مع رفع عصا التهديد الغليظة في وجه الإعلام، باسم قانون السلامة الوطنية الذي أعيد الى الخدمة مع ان الدستور أخرجه منها قبل اكثر من ثماني سنوات.. وتلت ذلك إجراءات قسرية ضد وسائل إعلام أُتهمت بإثارة النعرات الطائفية، وهي في أغلبها ليست بريئة من ذلك، لكنّها لم تكن الوحيدة في هذا الميدان، فثمت وسائل إعلام للطرف الآخر لم تزل تثير النعرات الطائفية بامتياز ولم تشملها الإجراءات!!
الجبهة الداخلية.. أينها؟
[post-views]
نشر في: 24 يونيو, 2014: 09:01 م