إذا سلمنا أن النسخة 20 من مونديال البرازيل خرجت عن المألوف على مدى توالي البطولات السابقة في انفجار صبر المنتخبات الثانوية بحَمِل ابنائها الأسلحة التكتيكية المتطورة لإعلان" ثورة الفقراء" في ملاعب ريو دي جانيرو، فإن إقصاء "أولاد الأبهة" من البطولة لم يكن نتيجة رداءة المستوى الفني فحسب، بل الشعور المطبق بالانهزامية والرعب والاحباط المرير من نجاح تلك الثورة وفضحها زيف الاساطير الاسبانية والايطالية والانكليزية والبرتغالية التي راهنت على امتلاكها "ثروات" النجوم المهارية وإذا بها تعلن إفلاسها في أول مواجهة وتقرّ بفشلها.
لذلك ليس مستغرباً ان تتوزع هنا وهناك تصريحات مستفزّة لعدد من النجوم لم يتحلوا بالكياسة ولا الحكمة ، بل وبدا عليهم اليأس لما قدموه في المونديال ، فالنجم الاسباني وأحد أبرز لاعبي نادي برشلونة ألبا يخرج عن طوره ويروح يكيل لأحد الصحفيين كلاماً غير منضبط بعدما سأله عن السبب الحقيقي وراء خيبة أمل الشعب الإسباني بمنتخب البلاد حيث قال له " في المرة المقبلة سأقطع رأسك "! أي ما معناه إياك أن تلقي في وجهي هكذا سؤالاً يثير المواجع.
ولم يكن الانكليز أقل تهوّراً من ابن مدريد الخائب، فتوجه الجميع لتشجيع نجم التنس العالمي (الاسكتلندي) آندي موراي للدفاع عن لقبه في بطولة ويمبلدون حتى أن كبريات الصحف الانكليزية أخذت تحض عامة الناس لمؤازرة مواطنهم البريطاني عساه يعوّض للمملكة ما عجز عنه منتخب (الأسود الثلاثة) في البرازيل بعد ان بدوا خائري القوى ومتخاذلين في الدفاع عن سمعتهم وتاريخهم كأسبق الأمم في ممارسة اللعبة بلقاء دولي مع اسكتلندا 30 تشرين الثاني عام 1872 انتهى بالتعادل السلبي، كما أنهم من أوائل المنتخبات الذين كتبوا سيرة المجد في النسخ الأولى من المونديال حيث نالوا اللقب مرة واحدة عام 1966 طوال 13 مشاركة حتى الآن.
ومن الطبيعي ان تجد البرتغال نفسها في عنق الزجاجة منذ كارثة الرباعية الألمانية التي هزت جدار الثقة بين المنتخب والجماهير الطامحة لاستثمار تألق نجمها المدلل "رونالدو" في الدوريات الأوروبية لكنه سقط بشكل دراماتيكي ولم يكن إلا لاعباً عادياً يبحث عن ظله، بل ترك الحسم لغيره في اغتنام فرص مواجهة الحراس لكسر النحس ، ولم ينجح.
ربما هي لعنة "الفقراء" الذين وضعوا النهاية لصبرهم الطويل في لعب دور (حاملي الكرات) تحت شباكهم كل مرة يوم كانت المنتخبات الكبيرة تعد لقاءاتها معهم اثمن 90 دقيقة لزيادة غلتها من الاهداف ورفع ارصدة نقاطها حتى وصل الأمر الى قبول الضعفاء التواطؤ وبيع المبادىء من اجل مصالح غير نزيهة مثلما حدث في بطولة 1982 بإتفاق النمسا مع المانيا على اقصاء الجزائر الشقيق، وكذا الأمر بالنسبة للأرجنتين التي اشترت مباراتها مع بيرو (6-0) لضمان الوصول الى نهائي 1978 على حساب البرازيل مقابل شحنة من القمح مقدارها 35 الف طن كانت بيرو بحاجة ماسة لها لسد رمق آلاف الجياع ، مع تلقي لاعبيها رشا بقيمة 50 مليون دولار.
وتستعد ماكنات الاعلام البرتغالية والغانية وأخرى عالمية لشن حملة قاسية على منتخبي المانيا وامريكا في حال تقديمهما عرضاً باهتاً غداً الخميس ينهياه بنتيجة التعادل التي تنقلهما الى الدور 16 في سيناريو محتمل يؤمّن فرصتهما بعيداً عن الحسابات المعقدة في المجموعة السابعة، ولهذا تبقى جميع التكهنات رهن التحقيق لما ستسفر عنه مواجهات الجولة الثالثة الحاسمة التي غالباً ما تحوم حولها الشكوك خشية تحول اللعبة الى العرض والطلب ..لمن يدفع أكثر!
ثورة "للصبر حدود"
[post-views]
نشر في: 25 يونيو, 2014: 02:47 م