هل هناك اخبار جيدة؟ ان كل شيء سيء حالياً، ربما باستثناء ان واشنطن بدأت تشعر بضرورة الانصات الى الطرف الاخر في معادلة السلطة. فهي لم تكن تسمع سوى فريق السلطة، لكنها تردد الان ان اسلوب هذا الفريق خضع للتجربة مرارا وفشل، ولا جدوى من مساعدة عسكرية تهدف لحماية نهج لن ينجح. ولابد من تغيير. وفي هذه اللحظة تمثل واشنطن اهم البلدان الكبيرة المصابة بالقلق، وهي بدأت لاول مرة منذ خمس سنوات، بالاصغاء الجدي للقوى الوطنية المعترضة والمطالبة بتغيير واصلاح.
لكن اكثر الاسئلة ايلاما بشأن زيارة الوزير الاميركي جون كيري هو: لماذا عجزنا جميعا عن فتح آذان اوباما، ولم ينجح في ذلك سوى تنظيم الموت، داعش؟ هل هي مأثرة للارهابيين، ام مهزلة تفضح عجزنا؟
والامر ليس مجرد سؤال، فتوقيت الاصغاء الاميركي جعله يفقد فاعليته كثيرا او قليلا، وأحاط مبادرة العم سام بالشكوك الصغيرة والكبيرة. وضاعف الصعوبات التي يواجهها دور واشنطن، وعلى وقع هذا التوقيت المتأخر للضغوط الاميركية، فان ن خطاب رئيس الحكومة المنتهية ولايته نهار الاربعاء، جاء بوصفه رفضاً للمسار التصالحي الذي تريد واشنطن دعمه. ونحن الان كما يبدو، امام خلطة سوداء، مركبة من داعش ونموذج تشبث بالسلطة وسيناريوهات تسرق النوم من اجفان العراقيين.
اما اوضح ميزة لكل هذا الانهيار ومفاجآته، فهي انه لم يكن ينطوي على مخططات سرية، ولم يكن احد بحاجة الى ان يتآمر، فالمواقف ظلت منذ نهاية ٢٠١١ معلنة بأقصى مديات الصراحة، والمشاورات "على المكشوف"، وانصار الاصلاح السياسي تحدثوا عن كل خياراتهم، ولم يقوموا بالتستر على شيء. كما ان المحتجين الغاضبين كانوا يقولون بصراحة كذلك، انهم يأملون ان لا تسيء الحكومة معاملتهم، كي لا يتحولوا الى منحازين لخيار العنف، وقد خرج عفريت داعش من هذا الشباك الذي رفضت الحكومة اغلاقه بحكمة، وانا هنا لا ابرر لطرف، بل احاول التذكير بالطراز العلني الذي تحولت عبره الامور. فالانبار من جهتها قدمت لنا كأنصار للنظام السياسي، فرصة لرؤية ما يمكن ان يجري داخل مختبر محدود هو الفلوجة والرمادي، اي الاسباب التي قد تشجع على حمل السلاح ضد الجيش، ودوافع تأييد المسلحين، ولذلك فان كل ما حصل بعد ١٠ حزيران هو ان المشكلة تمددت بنحو مفاجئ، لكنها مشكلة كنا على معرفة صريحة بها وبأدواتها، منذ الاسبوع الاول لحرب الانبار، بل ان اهل الشأن شعروا برسالة واضحة لخيار التمرد المسلح، منذ ردود الفعل المسلحة التي اعقبت حادثة ساحة الاعتصام في الحويجة نيسان ٢٠١٣، اي قبل ١٦ شهرا من محنة الموصل.
لذلك، سيمكن لنا ان نستخدم اوصافا كثيرة في نعت ما جرى، الا المؤامرة، اذ ان كل شيء كان يجري في العلن، سياسيا او عسكريا، ومعظم العوامل والاساليب كان فوق الطاولة، اما تحت الطاولة فلم يكن هناك سوى تأخرنا في علاج الامور.
اخيرا، وجدت ان الكثير من المعتدلين، سواء كانوا بسطاء مثلي بلا نفوذ او تأثير، او قادة مؤثرين، يشعرون ان خيارات الاعتدال ضاقت او انعدمت، وان الامور خرجت عن السيطرة. فالمعتدل احيانا، يشعر انه حالم واقف بين متصارعين مجانين اكثر واقعية، لان بيدهما سلاحا حقيقيا. لكن علينا ان ندرك ان دور النوايا الطيبة، والحرقة والقلق على كمية الدماء، هو دور لن ينتهي في اي لحظة، فدائما هناك شرور يمكن تخفيف آثارها، من دموع الاطفال في مخيمات النزوح، حتى درجات التعبئة والتجييش، وصولاً الى قرارات القتال الكبرى التي قد تتمادى اكثر من اي توقع مسبق او غرض يمكن فهمه. حتى "المندفعون" الذين يتوهمون امكانية حسم الامور بالعنف، سيظلون بحاجة الى طرف معتدل، يتواصل مع الجميع، ويكون جاهزا لرؤية طرق السلامة، التي اخفاها دخان البنادق.
آذان الرئيس و"التآمر العلني"
[post-views]
نشر في: 25 يونيو, 2014: 09:01 م