رغم أن باريس هي المدينة الأشهر في العالم بالنسبة للفن والمدارس الفنية ويزورها كل سنة ملايين من الناس الباحثين عن إبداعات رساميها وخلاصة ما توصلوا إليه من تجارب وصرعات متواصلة لا تتوقف ، أقول رغم كل ذلك ، يبقى هناك مكاناً محدداً في العاصمة الفرنسية هو الأشهر والأكثر متعة وانفتاح على الرسامين وأجواءهم وما يقومون به ، وأقصد هنا حي مونمارتر الشهير . فليس هناك أكثر سحراً من تجوالك في هذا المكان القديم الذي هو رئة الرسامين التي يتنفسون من خلالها عبق الفن في الصباح والمساء ، هم القادمون من مختلف الأماكن والبلدان ، يتجولون بمختلف جنسياتهم وأصولهم . يعرضون أعمالهم ويرسمون بورتريهات مباشرة لمن يريد أن يغادر الحي صحبة لمسة من لمسات أصابعهم التي تتحرك في المكان بإيقاع كله مرونة وجاذبية .
في طريق صعودي الى الحي مررت بالطاحونة الحمراء ، وهو المكان المعروف الذي كانت تقام فيه عروض الرقص التي خلدها الفنان الشهير تولوز لوتريك في أعماله حين كان يرتاد هذا الكاباريه الذي رسم فيه أشهر أعماله حول الغانيات والراقصات مثل (شاو كاو) و(جين أفرال) ، كذلك نفّذ هنا أجمل الأفيشات والملصقات الجدارية التي تخص حفلات الرقص في الطاحونة ، وكانت هذه الملصقات هي البداية الحقيقية بالفعل لفن الملصقات في نهاية القرن التاسع عشر . بعد أن تعديت علامة باريس المميزة هذه ، وصلت الى ساحة رسامي البورتريت والتي يسمونها ( بلاس دو ترترا ) وهي أعلى نقطة في الحي الذي يرتفع هو أيضاً 130 متراً فوق عاصمة النور ، وهنا لا يمكنك أن تجتاز المكان دون أن يسألك أحدهم أن كنت تحب أن يرسم لك بورتريتاً أو يعرض عليك بعض اللوحات الصغيرة وبأسعار مناسبة في الغالب . هذا المكان هو خلاصة رسم البورتريت السريع في العالم ، وهو رغم ضيقه النسبي يكتظ بمئات الرسامين الذين تشق طريقك بينهم ويملأك شعور بأنك وسط ستوديو لتمثيل فيلم يعود الى سنوات بعيدة مضت . ولأن المونمارتر أعلى نقطة في بايس فمن هنا يمكن مشاهدة كل معالم المدينة وتفاصيلها المهمة مثل مركز جورج بومبيدو بأنابيبه الشهيرة وغيره من علامات باريس المعروفة . برأيي الشخصي أن هذا المكان المرتفع الذي يقع فيه حي الرسامين يعطيه الكثير من الرفعة والقدسية وهو يحوم بكل هذا البهاء والبوهيمية فوق سماء مدينة الانطباعيين .
أردت أن أقول أيضاً أن المونمارتر قبل أن يصبح أحد أحياء باريس كان قرية منعزلة على أطرف المدينة وأصبح خلال المائتي سنة الأخيرة جزءً من باريس بشكل تدريجي ، والفترة المهمة والحاسمة في تكوينه هي نهاية القرن التاسع عشر حيث كان يتوافد إليه الرسامون والكتاب والشعراء من مختلف العالم ، يستأجرن أماكن ومراسم صغيرة وهم يحلمون بدخول أجواء هذه المدينة الساحرة والملهمة والتي تصنع أساطير الفن والأبداع . وقتها عرف هذا الحي بداية رسامين شكلوا أسطورته فيما بعد مثل رينوار وسيزان وبيسارو وفان غوخ ولوتريك وبيكاسو ، كذلك الكثير من الرسامين البوهيميين الذي شكّلوا مع أول سنوات القرن العشرين ما يسمى في تاريخ الفن بمدرسة باريس .
بعد بهجة الألوان هذه ، ألوّح بمحبة الى كل شيء هنا وأعود نازلاَ الى مركز المدينة وأنا أهبط السلالم والشوارع العالية ولديّ أحساس يجعلني جزء من المكان ، حيث رائحة الألوان وزحمة الرسامين وأزياءهم الغريبة ، أهبط لأبحث عن مقهى قديم أشرب فيه قهوتي وأكمل بعدها بحثي عن فتنة باريس وجمالها الأبدي.
أشهر حي للرسامين في العالم
[post-views]
نشر في: 27 يونيو, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...