يقولون لك إن غلق مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك وتويتر" والتضييق على خدمات الانترنيت، محاولة إلإنقاذ البلاد من جحيم الحرب الأهلية، لكنهم في وسائل إعلام يمولونها نراهم يغذون ماكينة الاحتراب بين مكونات المجتمع العراقي بكميات هائلة من الوقود الطائفي ومن الخطابات العنصرية تفوق ما صنعة المستر مكارثي في امريكا الخمسينيات.
زعموا أنهم يحافظون على النسيج الوطني للبلاد، لكنهم لايتوانون في صفحات الفيسبوك الخاصة بهم - والتي ظلت غير معنية بقرار هيئة الاتصالات والإعلام - على الاحتماء، تحت مظلة من التحريض والتبرير والتفرقة الطائفية بين مواطن ومواطن.
تأمّل العراقيون أن يكون التغيير بوابتهم لتأسيس دولة القانون والمواطنة، غير أنهم اكتشفوا بعد سنوات من سقوط صنم الطاغية أن الأمور تمضي وكأن الذين يحكموننا يكرهون القانون ويحتقرونه أكثر مما يكرهه الخارجون عن القانون، وقصة غلق مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك وتويتر" تكفي دليلاً على ما أقول ..
عندما انتهى حكم صدام وأزيلت أجهزته الاستخبارية والأمنية استبشر العراقيون خيرا بأن ساعة فطام الشعب قد حانت، وأننا أخيرا سنلتحق بركب الدول التي بلغت سن الرشد وسنتجاوز نزق الإرشاد والتوجيه، إلى مرحلة من النضج يكون فيها القانون والشفافية والنزاهة هي إعلام المواطن وليس مقرات الأحزاب ومديريات أمنه، لكن سياسيينا لم يستطيعوا مع العقل والنضج صبرا وأعادوا أنظمة التجسس ومراقبة المواطن إلى الخدمة.
سيقول البعض إن الدستور الدائم لعام 2005 اقرّ في مواد عديدة ضمان حرية الأشخاص ومعتقداتهم وآرائهم، لكن الواقع يقول إن حرية العراقيين مهددة حتى في بيوتهم.
لقد وعدت الحكومة في برنامجها الذي أعلنه رئيس مجلس الوزراء الناس عام 2010 بالرخاء والنماء والعمران ولم تعدهم بتضييق الحريات والتلصص عليهم، غير أن الحكومة مصرة على مطاردتنا حتى من خلال الانترنيت.
فضيحة حجب مواقع التواصل الاجتماعي ومراقبة الانترنيت إلى جانب إنجازات سابقة للحكومة الرشيدة في التضييق على الحريات تظهر بصمة واضحة في محتوى ما تقدمه حكومتنا الرشيدة وبعض مؤسسات الدولة، حيث التكفير بالتغيير والتحريض على نموذج الدولة المدنية لا ينقطع،
والسؤال الأهم هو الى متى ستظل الحكومة تتحفنا بحكاياتها الكوميدية والمثيرة وتضفي على حياتنا طابعا فكاهيا ساخرا، ما أدهشني وأحزنني في قضية حجب مواقع التواصل الاجتماعي ، أنّ القانون الذي يفترض أنه وضع من أجل الجميع، وعلى كل فرد واجب تنفيذه، من رئيس الوزراء، إلى الوزير، إلى المواطن.. نجد نواب وساسة يعلنون أنفسهم أنهم فوقه ويتربعون على أنفاسه.. ويملؤون صفحاتهم الشخصية بالتحريض الطائفي .
للأسف نرى اليوم ان قلة الكفاءة، وعدم احترام قواعد الديمقراطية يعيدان العراق إلى العصور البدائية، والتصورات السلطوية تعيد مسؤولينا ومستشاريهم إلى ما قبل دولة المؤسسات.
من الواضح أننا اليوم أمام طريقة مختلفة في التعامل مع المواطنين، طابعها الخشونة والتضييق على الحريات الشخصية ، خصوصا أن البعض يصور الفيسبوك على انه مؤامرة من "أعداء الوطن" الذين يتداولون أفكارا وطروحات حول الفساد والمفسدين، وغير ذلك من مفردات أطلقتها بعض الأجهزة الحكومية
فيلم "الممنوعات" لم ينته بعد لأنه أظهر لنا أن أنصار دولة الاستبداد أكثر مما نتوقع، وظهر أيضا أن أساطير وخرافات بعض السادة المسؤولين عن أنفسهم تجاوزت الحد المعقول ، وان مفهوم السيطرة على البلاد والعباد ، سيكون بديلا لمشروع الإصلاح والتنمية والاعمار وطرد الارهاب وبث الأمن والأمان.
لعنة "الفيبسبوك"
[post-views]
نشر في: 27 يونيو, 2014: 09:01 م