TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن علم النفس والحرب (2)

عن علم النفس والحرب (2)

نشر في: 28 يونيو, 2014: 09:01 م

في الحلقة الأولى وقفت عند النزعات النفسية للجماعات، أو سموها الشعوب إن أحببتم. اليوم سأقف باختصار عند نقطة سيكولوجية أخرى لها علاقة مباشرة بنشوب الحرب: إنها "سايكولوجية الديكتاتورية". نظريات كثيرة تناولت هذا الجانب لكن "نظرية ستيكل" تعد من أفضلها وأكثرها شيوعا. النظرية تقوم على ما يسميه "عقدة السلطة" وتفسر المزاج "النيوروزي" للدكتاتور وتوضح أسباب خضوع معظم الناس لسلطته.
من بين ما جاء في تفسيراته ان "الأطفال الذين حنقوا على سلطة والديهم هم انفسهم الذين وجدوا في الدكتاتور عوضا عن آبائهم .. لكن الناس لا يحنقون على سلطة الدكتاتور أو الزعيم كما حنقوا على سلطة الأب لأن شك الناس في عصمة الزعيم يقل كلما زاد عدد اتباعه أو أنصاره".
أما نزعة "النيروز" فيراها ستيكل ظاهرة عند جميع الطغاة لان في تاريخ حياة كل منهم، حسب نظريته، يمكن ان نجد عاهة جسدية أو نفسية تفسر شذوذه:"معظمهم ولد في فقر مدقع أو عانى طفولة مهشمة أو نشأ من أصل حقير ومن ثم فهم يحاولون تعويض شبابهم القاسي بطلب المجد أو السلطة".
أما "النيوروز" (بالإنكليزية: Neurosis)، فهو عصاب يتكون من مجموعة مركبة من الأمراض النفسية وحتى العقلية تدفع صاحبها إلى الميل نحو العدوانية والكراهية. من بين تلك المركبات نشير إلى حالة "البارانويا" التي تلعب دورا في تكوين الأسباب السايكولوجية للحرب. والبارانويا حالة مرضية تنجم عن أوهام ثابتة في مقدمتها الشعور بالاضطهاد، إذ يعتقد الفرد انه مضطهد ويحيط به أعداء يتآمرون عليه. من الضروري الإشارة إلى ان كل إنسان قد تظهر عنده هذه النزعة إلى حد ما. لكنها ان أصبحت أسلوبا دائما في مواجهة مشكلات الحياة فإنها عندئذ تصبح خطرا يهدد الفرد والمجتمع. الأمر يتوقف على البيئة الاجتماعية التي قد تهذب البارانويا أو تغذيها وتحولها إلى عقدة مرضية مستعصية. يذكر العلماء في هذا المجال جملة عوائق اجتماعية يواجهها الفرد في مختلف مراحل حياته قد تولد النزعة البارانوية عنده. منها "قسوة الأحوال التي يجد نفسه فيها رغما عنه (كأن يكون ابنا غير شرعي) أو الدمامة أو العاهات الجسدية الظاهرة، أو الفقر ونقص التعليم والطموح الذي يجاوز القدرة على تحقيقه".
المشكلة تكمن في تضخم أوهام الاضطهاد عند الحاكم فيرى ان كل حركة من حركات الدول الأخرى أو من الحركات السياسية المعارضة له تحرش به شخصيا ويستهدفه أمنيا. ومن هنا تسيطر عليه أوهام العظمة كردة فعل مضادة لمخاوفه الوهمية. ومن هنا أيضا نجده ينزع نحو الطغيان والاستبداد ويبدأ يرى في نفسه مواهب خارقة وينظر إلى غيره بنظرة المتغطرس.
المشكلة الأكبر، عندما تنتقل تلك الأوهام من الحاكم إلى الشعب فيرى نفسه أفضل من غيره وانه يتفوق على المكونات الأخرى عنصريا أو دينيا أو مذهبيا.
خلاصة رأي علماء نفس الحرب ان الشعب عندما تنتقل إليه عدوى أوهام البارا نويا ومن ثم أوهام الشعور بالعظمة، لن يكون نشوء الحرب أمرا بعيد الاحتمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram