لا يريد لك البعض من المسؤولين أن تطرح مجرد سؤال عما يجري في تكريت والأنبار وديالى ، كأن هذا ليس من شأنك كمواطن اولا وصحفي ثانيا ، بحجة أن هناك عملية عسكرية ولا يجوز أن تكون أخبارها وأسرارها مشاعة متداولة في وسائل الإعلام، ثم يعقب السيد المسؤول كلامه ذلك بدروس عن الأمن الوطني.
يريدونك ألا تسأل.. وألا تحاول أن تعرف.. ولا يريدون تقديم إجابات لأسئلتك، يصادرون حقك في السؤال والمعرفة بدواعي الأمن، رغم أن حرصك على الأمن الذي تراه ينتهك يوميا ، هو الذي يدفعك أصلا للسؤال.
يعتقد الناس بأن الصحافة في العراق تحولت بعد 2003 إلى جهاز رقابة يتابع مؤسسات الدولة ، ولكن. صدق او لا تصدق ان معظم مؤسسات الدولة والأحزاب والكتل السياسية تستنفر حين يدلي موظف صغير بتصريح لإحدى الصحف ، حتى ان مجلس الوزراء اصدر توجيهات بغلق أبواب ونوافذ الحكومة امام وسائل الإعلام، و على الصحفي حين يستخدم المعلومات أن يخفي نصفها حتى لا يتعرض الى مساءلة القانون، صدق او لا تصدق؛ لا يستطيع الصحفي مهما علت درجاته ان يدخل قاعة اجتماعات مجلس النواب او احدى غرف اجتماعات الكتل السياسية. والمكان الوحيد الذي يجوز للصحفي ان يطل منه على أعمال المجلس هو قاعة وضعت فيها شاشات تلفاز يتفرج من خلالها رجال الاعلام على ما يجري داخل القاعة. وأقصى ما يحصل عليه الصحفي بيان او تصريح مقتضب يقول: " اجتمعت الكتلة الفلانية، وطرحت المسألة الفلانية، وحضرها المسؤول المختص"، وكان الله عالما بالاسرار. والسبيل الوحيد الى ان يتصل الصحفي بأحد المسؤولين هو ان يسترضي مكتبة الإعلامي ويحلف أغلظ الإيمان بأنه لن يحرج السيد المسؤول بأسئلة مشاغبة. تكفي هذه الامثلة لكي نسأل بعدها، اليست المسافة واسعة جدا بين الصحافة ومؤسسات الدولة؟! واذا كانت الصحافة حقا جهاز مراقبة كما أراد لها الدستور، فكيف تمنع من مراقبة مؤسسات يملكها الشعب الذي تعد الصحافة جزءا من سلطته؟! كيف يعقل الانسان ان يمنع المالك – ممثلا في صحافته – من تقصي معلومات عن أملاكه؟! واذا كانت الصحافة حقا جهاز مراقبة، فما معنى تحديد إقامتها في قاعات مغلقة بعيدة عما يجري داخل أروقة وقاعات االكتل السياسية ؟! وباي حق يشكو بعض الساسة من ان الصحافة لاتقف على الحياد، ولم تقدم المعلومات الصحيحة للناس. كيف بامكان الصحافة ان تقدم المعلومة وهي تجلس على قارعة الطريق؟! أسئلة كثيرة بعضها موجه لمؤسسات الدولة ، واكثرها للناس الذين يلومون الصحافة ويتهمونها بالتقصير، لا ينكر احد ان للصحافة هذه الأيام ذنوبا، ولكن شماعتها مثقلة بحيث لا تتحمل ان يعلق عليها البعض ذنوباً حين يتهمها بانها بعيدة عن المصداقية وان ما تنشره مجرد تزويقات لفظية لا أساس لها من الصحة .
في كثير من بلدان العالم المتقدمة لا يجرؤ مصدر مسؤول على التصريح بما ليس حقيقة ثابتة، ولا يسمح لنفسه بان ينشر ما ليس واثقا منه، وليس ذنب الصحافة عندنا انها في مجتمع لم ينجح في إلزام مسؤولية بهذا السلوك إلى حد ان كلمة " تصريح " أصبحت مادة يتندر بها الناس في البيوت والمقاهي والطرقات. فما ذنب الصحافة حين تنقل عن وزير الكهرباء ان عام 2012 سيشهد انتهاء مشكلة الكهرباء وينسى الوزير أن عامين مرا على تصريحه الرنان والكهرباء تراوح في مكانها، ما ذنب الصحافة حين يصدر مجلس الوزراء بيانا رسميا يعتبر عام 2011 عام المشاريع الكبرى وإصلاح البنى التحتية والامن والامان ، ويمر العام وندخل في عام اخر والمواطن يعيش هاجس الخوف الدائم من الارهاب . الذي يحتاج العلاج اذن ليس الصحافة وإنما الحكومة ومؤسساتها والكتل السياسية التي تسمح بالمبالغة، والكذب وقلب الحقائق ومحاولته صبغها بأكثر من لون. ليست الصحافة من كوكب آخر او مجتمع آخر غير مجتمعنا، ولن نجد صحافة مقيدة في مجتمع حر او صحافة حرة في مجتمع مقيد..صحافة كل مجتمع صورة له لأنها من صنعه، ما ننكره على صحافتنا يجب أن ننكره على مؤسسات الدولة ومعها النخب السياسية التي امتلأت كواليسها بالأكاذيب والمخادعة والغش. ما ذنب الصحافة ان خرجت مانشيتات صحف اليوم تقول :ان اجتماع التحالف الوطني شهد الاتفاق على اختيار رئيس للوزراء ..سيبتسم المواطن ويقول في سره " حجي جرايد " .
الاكاذيب التي تقتلنا
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2014: 09:01 م