هذا المقال ينشر قبل يوم من انعقاد جلسة البرلمان ، واعني به يوم غد الثلاثاء الذي ربما ستقرر فيه الجهات الأمنية حظرا للتجوال لمعظم اهالي بغداد.. ولأننا نعيش عصر التكهنات وضرب الاخماس في الاسداس ، ومحاولة الالتفاف على سؤال يطرحه المواطن البسيط لماذا العطلة في بغداد فقط.. دون ان يعرف هذا المواطن المبتلى ما الذي سيحصل؟ .. قبل ايام خرج علينا السيد نوري المالكي محذرا من ان المطالبين بتأجيل جلسة البرلمان : "سيذهبون الى اثارة الاوضاع الامنية في بغداد"، حديث المالكي استدعى الى الذاكرة فيلم الراحل احمد زكي ارض الخوف ، ففي هذا الفليم المثير أفكارا تتأمل في مسألة إثارة الفزع .. والركون الى حالة من الاستسلام للقدر وتحويل البشر الى كائنات لا تعرف سوى كلمة "نعم" ، والاهم ان الفيلم يفسر لنا نحن المشاهدين كيف يبرر ناس طيبون تعسف السلطة.. كيف يسيرون كالعميان خلف ببغاوات السلطة ، يرددون كلاما خارج من فوهة أفواه مرتعشة ..
ارض الخوف يروي عملية تحويل الانسان الى كائن يخاف من المستقبل المجهول، وانت كمشاهد تسأل هل تغير احمد زكي ،ام ان قوى متسلطة سلبت منه حرية الاختيار، ولم يعد امامه سوى السير في " الطريق المرسوم " من وجهة نظر "الجهات العليا"؟
اذن مطلوب منك ان تصبح رقما كما في فيلم احمد زكي ، وأنت تخاف من "يوم الثلاثاء".. تريد منك الدولة بكل اجهزتها ان تتحول الى مواطن خائف بامتياز، فالخائفون يسهل اقتيادهم وتدجينهم، يسهل غمر عقولهم بسيناريوهات المؤامرات ، يسهل إقناعهم بالخطر الذي يتهددهم في الشوارع.
تجربة الأعوام الماضية أثبتت حقائق كثيرة أهمها أن مسؤولينا لا يملكون ما يقدمونه لمستقبل البلاد ، حتى لو راهنوا على مخاوف الناس واحتياجهم الدائم للأمن، فهم يملكون فقط القدرة على التخريب والتدمير والتعطيل والعرقلة، وسرقة المال العام وإفساد الذمم.
ما يجري هذه الايام من تخويف الناس وترويعهم مرة بحجة الخوف من الانفلات الأمني ومرة بشعارات عن المظلومية والحرص على الطائفة، نظرة سريعة على المشهد الراهن تكشف بجلاء أن البعض يريد ان يكسر شوكة الآخرين من خلال تنفيذ مخطط لترويض الجميع على الاذعان للأمر الواقع، لتبدأ بعدها مرحلة التربص بالجميع من خلال سياسات متعمدة تستهدف الإجهاز على أي مطالب للإصلاح. والأمر ذاته حدث فيما يخص الأمن إذ جرى إذلال المواطنين أمنيا وأحيطوا بحزام مرعب من جرائم القتل والخطف وفقا لنظرية الانفلات الامني في حالة غياب القيادة الحكيمة، بما لم يترك مجالا لأحد لكي يفكر في موضوع الخدمات والتنمية والعدالة الاجتماعية، وبمعنى آخر يحاول البعض أن يجعلوا من الاستقرار ثمنا للحصول على المكاسب والاستفراد في السلطة.
سيشعر السادة المسؤولين بالأمان في ظل حظر التجول المفترض يوم الثلاثاء، لأن الحظر يعني قرار بمنع الاختيار، والسير حسب تعليمات جهات عليا، ترى نفسها خبيرة في برمجة المواطنين.. ولا حق في الاختيار، وغير مسموح الاعتراض على اي إجراء امني، ليس من حقك ان تسأل عن اسباب الحظر؟ فانت تعيش، في ظل مؤسسات أمنية تحب الرقابة وتسعى لالغاء كل إمكانية للتفكير، فالدولة ترى الخير في حظر التجوال ، وهذا يكفي.
لماذا أصبح الخوف واقعا يريدون منا ان نعيش في ظله؟ مطلوب منا أن نخاف.. مواطن خائف بامتياز تتلفت حولك، تتوجس من جارك وصديقك.. وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى طائفتك.. لماذا يرددون على اسماعنا جمل من عينة : احذر ان تمد يديك لجارك لئلا تتلوث، لذلك عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من العلماني والشيوعي لأنه كافر، ومن الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السني لأنه قاعدة، وعندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك أصحاب نظرية حظر التجوال إلى الخوف من أقرب الناس إليك. ويصبح مصير البلاد معلقا برضا رجل واحد وكأننا لا نريد أن نغادر عصر "القائد الأوحد" عصر الهبات والمنح والعطايا وأيضا العفو الخاص!
عندما يخرج العراقي اليوم من بيته يضع يده على قلبه وهو يقول "اللهم نجنا مما تخبئ لنا الأيام" فهذا المخلوق الخائف والبائس طبع على أنه لا يستحق شيئا في الحياة حتى السؤال : لماذا حظر التجوال يوم الثلاثاء؟
في انتظار ثلاثاء الخوف
[post-views]
نشر في: 29 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو عباس
الاستاذ العزيز علي لدي سؤال يبحث عن اجابة قد اجدها لديك لاني معجب بك وبما تكتب .السؤال لو ان جيفارا وهوشي منة ومعه الفيت كونغ وكل الثوار والحركات الثورية لو جاءت في هذا الزمان الذي هو اميريكيا بأمتياز فهل يمكن لنا نطلق عليهم لقب أرهابيون .وهل ان زمان الثو